ولكن باب المناقشة في هذا القول واسع ، فإنّ الظاهر من القرآن ونصوص الأحاديث ، انّ عدد الشرائع لا يتجاوز الخمسة ، وبينما تعداد الرسل قد تجاوزها بكثير ، فكيف يجوز لنا أن نفسر الرسول بأنّه المبتدئ بوضع الشرائع والأحكام أو هو من بعثه الله بشريعة مجددة.
قال سبحانه : ( شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) (١) فإنّ الآية في مقام الامتنان على الأمة الإسلامية ، من أنّ شريعتها جامعة لكل ما اشتملت عليه الشرائع السابقة النازلة على السلف من الأنبياء ، فلو كان هناك أصحاب شرائع غير ما ذكر في الآية لكان اللازم ذكره ليكون الامتنان آكد ، فظاهر الآية انّ الشريعة مختصة بالمذكورين في الآية : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ولكن يمكن القول إنّ قوله سبحانه : ( أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ) تفسير لما ( شَرَعَ لَكُم مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَ ... ) ومعناه هو الأخذ بالدين بأجمعه والتدين بأحكامه وتشريعاته كافة وعدم الاختلاف فيه بأخذ طائفة ببعض الدين ، وطائفة أُخرى ببعضه الآخر ، كما فعلته الأمم السابقة ، فهذا ما أوصى به سبحانه كل من ذكر اسمه في الآية.
وعلى ذلك فلا تدل الآية على أنّ شريعة الإسلام جامعة للشرائع السابقة وتسقط دلالتها على كون أصحاب الشرائع خمسة ، زعماً بأنّها في مقام الامتنان لما عرفت من أنّها ليست إلاّ بصدد الحث على الأخذ بالدين بمجموعه ، وان هذا هو حكم الله سبحانه في جميع الأجيال والأزمنة ، لا بصدد الامتنان على الأمّة الإسلامية بأنّ دينهم جامع لما شرع للأمم السابقة ، حتى يستدل بالاكتفاء بذكر
__________________
(١) الشورى : ١٣.