المعنى بصورة شوهاء ، وشتان بين كاتب يكتب بدافع الإيمان والعقيدة طلباً للحقيقة ، وكاتب مستأجر لا هدف له إلاّ دعم ما نوى واضمر ، وتحكيم ما أُستوجر عليه ، وذلك يفرض عليه اختلاق الأوهام ونحت الأكاذيب التي يتحير عندها العقل والفكر.
نعم حرّف هؤلاء (١) ما أُثر عن القوم في المقام فقالوا : النبي هو الذي ينبئ عن الله وليس معه كتاب ، والرسول هو الذي بُعث إلى الناس وأُنزل معه كتاب ، أو أنّ النبي هو الذي يقرّر الشريعة السابقة فقط ، والرسول هو الذي يأتي بشريعة مستقلة (٢) ، وعلى هذا تصير النسبة بين المفهومين ، هي التباين ، يفختص النبي بمن ليس له كتاب أو من يقرر شريعة من قبله.
ومن الواضح أنّ هذا القول باطل تماماً ، فهذا هو الذكر الحكيم قد خاطب نبي الإسلام المبعوث بأفصح الكتب وأحكمها وقد تضمن شريعة مستقلة عن غيرها من الشرائع ، بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) فهل يمكن لهؤلاء الكتّاب المستأجرين أن ينكروا نزول الكتاب إليه أو مجيئه بشريعة مستقلة. فدونك نص ما خاطبه سبحانه بلفظ ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) :
__________________
(١) البهائية الضالة.
(٢) الفرائد : ١٣٥ ، نعم نقل هذا الفرق الجزائري في فروقه : ١٠٦ قولاً ولا يعبأ بهذا النقل تجاه تلكم التصاريح المضادة له ، وأضعف منه ، ما نقله في تفسير الجلالين في تفسير قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ) من أنّ الرسول هو من أُمر بالتبليغ ، ولا يخفى شذوذ هذا القول ، كسابقه ، ومضادتهما مع تصاريح أئمّة الأدب والتفسير.
ومما يثير العجب ما ذكره الطنطاوي بقوله : الرسول هو الذي معه كتاب ، والنبي ينبئ عن الله وليس معه كتاب ، فمثال الأوّل موسى ، والثاني يوشع ، فيوشع نبي لا رسول وانّما ينبئ قومه وموسى ينبئ قومه بكتاب معه أُرسل به من الله ... الجواهر : ١٠ / ٤٠ ، إذ فيه مع ضعف القول في نفسه أنّ ليوشع كتاباً معروفاً طبع مع كتب العهدين.