وقد خاطب الله سبحانه نبيه الكريم في كتابه المجيد بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ) في مواضع كثيرة ، أو أطلق عليه النبي ، فهل ترى من نفسك أن تقول : إنّ ذلك الإطلاق إنّما هو بملاك الإيحاء إليه في المنام ، مع أنّ الإيحاء إليه إنّما كان بنزول الملك ـ دائماً أو غالباً ـ كما هو ظهور قوله سبحانه : ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ ) (١).
نعم اتفق الإيحاء إليه في المنام قليلاً ، كما يعرب عنه قوله سبحانه : ( لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ ) (٢) وقوله سبحانه : ( وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ المَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلا طُغْيَاناً كَبِيراً ) (٣).
على أنّه يمكن أن يقال : إنّ تلك الرؤيا وما تقدم عليها وإن كان اطلاعاً منه على الغيب ولكنه لم يكون وحياً مصطلحاً ، وليس مطلق الكشف ومجرد الشهود والرؤيا الصادقة ، وحياً مصطلحاً.
وإن أراد أنّ النبي مطلق من يصل إليه الخبر من جانب الله ويطلع على الغيب بواحد من الطرق التي ألمحنا إليها ، وإليها يشير قوله سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ ) (٤) وانّ الإيحاء في المنام أحد هذه الطرق ، فهو حق في جانب النبي وتعاضده اللغة وموارد الاستعمال ، فالنبي مطلق المطّلع على الغيب
__________________
(١) الشعراء : ١٩٣ ـ ١٩٤.
(٢) الفتح : ٢٧.
(٣) الإسراء : ٦٠.
(٤) الشورى : ٥١.