ولذلك ترى المسيح عليهالسلام لما ادّعى السفارة من الله وانّه جاء من عند الله لبيان أحكامه ورسالاته خاطب قومه بقوله : ( يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُم مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ ) (١) ولم يقل « إني نبي الله ».
من كل ذلك يمكننا أن نستنتج أنّ الرسالة سفارة من المرسل لبيان ما تحمّله ( أي فرد كان ) ونشره بين الناس ، وانّ الحيثية المقومة للرسالة ، أمر يستدعي التبليغ والتنفيذ ، وأمّا النبوة فإنّما هي منصب يستدعي الاتصال بالله سبحانه والعلم بما عنده من معارف وأحكام ، ولا صلة بين الحيثيتين ، سوى انّ النبوة أساس الرسالة (٢) فلا تستقيم رسالة الإنسان من الله إلاّ بارتقائه إلى مقام النبوة واتصاله بالمبدأ الأعلى ، فكانت الرسالة من آثار النبوة.
ولكن هذا الأمر لا يجعل اللفظين مترادفين ومشيرين إلى معنى واحد بل كل منهما موضوع لمعنى خاص لا يختلط أحدهما بالآخر.
الثالث : انّ النبي لم يستعمل في القرآن والحديث إلاّ في الإنسان الموحى إليه من الله وبما انّ الجهة المقومة للنبوة عبارة عن كونه مطّلعاً على الغيب أو منبئاً عنه ، فإنّه يصير النبي عندئذ عبارة عن الإنسان الموحى إليه من جانب الله ، المطلع على الغيب ، أو المنبئ عنه ، فاعتبر فيه قيدان :
١. كونه إنساناً.
٢. كونه موحى إليه من جانب الله سبحانه ومتحمّلاً النبأ منه عزّ وجل.
وأمّا الرسول فلمّا كانت الجهة المقوّمة لرسالته ، تحمل إنفاذ عمل أو بيان قول من جانب المرسل في إطار التبشير والإنذار أو ما يشبهه فلا يلزم أن يكون إنساناً بل يمكن أن يكون ملكاً أو جنّاً كما لا يلزم أن يكون مبعوثاً من جانب الله
__________________
(١) الصف : ٦.
(٢) المراد : الرسالة من جانب الله فلا ينافي ما سيوافيك من التوسع في الرسالة.