وأمّا إذا استعملا على وجه يشيران إلى طائفة مثل قوله سبحانه : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ ) (١) فإنّ الظاهر انّ كل واحد من اللفظين يشير إلى طائفة وجماعة واحدة ولا يدل على تعدد الطائفتين مصداقاً ، وانّ الموصوف بالنبوة غير الموصوف بالرسالة حسب الوجود ، بل يمكن أن يكون اللفظان بما لهما من المعنى حاكيين عن جماعة واحدة لهم شأن النبوة والرسالة ، فيصير هدف الآية : انّا ما أرسلنا أحداً من هذه العصابة إلاّ إذا تمنّى ألقى الشيطان في أُمنيته ، غير انّه طلباً لجلية الحال وتوخياً في استيعاب كل واحد منهم بلا استثناء ، وانّ الحكم يعم رسولهم ونبيّهم عطف أحدهما على الآخر ، طلباً لشمول الحكم لهم جميعاً ، وانّ بلوغهم مرتبة النبوة والرسالة ، ما منعهم عن هذه الهواجس.
وان أبيت إلاّ عن ظهور الآية في تعدّد الطائفتين وجوداً ومصداقاً وانّ هنا مجموعتين : أنبياء ورسلاً ويفترق بعضها عن بعضها فعندئذ نقول : قصارى ما يمكن أن يقال انّ كل واحد من اللفظين إذا انفرد بالذكر ، لا يدل إلاّ على المعنى الذي أشرنا إليه ، من دون دلالة على أحد من هذه الفروق ، ومن دون أن نلتزم بالتفرقة بينهما بواحد من هذه الفروق ، مثلاً إذا قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (٢) فلا يقصد من لفظ النبي ، إلاّ كونه المطّلع على الغيب والمنبئ عنه من دون أن يشير إلى واحد من هذه الفروق.
وإذا قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ) لا يقصد منه إلاّ صاحب الرسالة والمبعوث إلى الناس لإبلاغ كلام ، أو تنفيذ عمل من دون أن يدل على كونه ذا كتاب ، أو شريعة جديدة ، أو معايناً للملك ، وآخذاً منه
__________________
(١) الحج : ٥٢.
(٢) الأحزاب : ٤٥.