يكون هو براً ، ولكن لإظهار المبالغة في العمل بالبر ربما يخبر عن البر ب ( مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ) وكأنّ المؤمن لأجل إيمانه بالأمرين صار نفس البر.
ثم إنّ المراد من اتخاذ السبيل هو تلاوة القرآن والعمل بما فيه من الفرائض والمحرمات بقرينة قوله سبحانه : ( إِنَّ هَٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَاءَ اتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ) (١).
وقد وردت هذه الآية أيضاً بنصها في سورة الإنسان في الآية ٢٩.
وعلى ذلك يكون مفاد الآية : أنّي لا أطلب منكم أجراً سوى استجابة دعوتي واتباع الحق ، وهو نهاية استغنائه عن الأجور الدنيوية التافهة.
وقد علّق سبحانه اتخاذ السبيل على مشيئتهم للدلالة على حريتهم الكاملة فلا إكراه ولا إجبار في ذلك الاتخاذ من قبل أحد ، ولا وظيفة للنبي سوى التبشير والإنذار ( فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ) (٢).
قال الزمخشري في الكشاف : وهذا نظير قول من قد سعى لك في تحصيل مال وقال : ما أطلب منك ثواباً على ما سعيت إلاّ أن تحفظ هذا المال ولا تضيعه ، فليس حفظك المال لنفسك من جنس الثواب ، ولكن صوّره هو بصورة الثواب وسمّاه باسمه ، فأفاد فائدتين :
إحداهما : قلع شبهة الطمع في الثواب من أصله.
والثانية : إظهار الشفقة البالغة ... إلى أن قال : ومعنى اتخاذهم إلى الله سبيلاً ، تقرّبهم إليه وطلبهم عنده الزلفى بالإيمان والطاعة. وقيل التقرّب بالصدقة والنفقة في سبيل الله (٣).
__________________
(١) المزمل : ١٩.
(٢) الكهف : ٢٩.
(٣) الكشاف : ٢ / ٤١٢.