وحينئذ يكون لفظ المودّة زائداً ومخلاًّ بالفصاحة ، وكان الأولى أن يقول : إطاعة الله سبحانه والعمل بما أمركم به ، والإتيان بما يقرّبكم.
وكأنّ القائل بهذا التفسير أعطى القيمة لنفس المودّة ، لا لنفس العمل ، مع أنّ المهم هو العمل لا مجرّد المودّة ، إذ كل تارك للواجبات ربّما يود العمل الصالح وإن لم يقم بالإتيان بها.
٢. انّ المقصود من المودّة في القربى هو إظهار الحب والتودد إليه تعالى بالطاعة ، والمعنى إلاّ أن تتودّدوا إلى الله بالتقرّب إليه والإتيان بما يقرّبكم إليه (١).
وفيه : مضافاً إلى ما عرفت ما في تفسير القربى بالمقرِّب ، إنّه لم يرد في كلامه تعالى إطلاق المودة على حب العباد لله سبحانه ، وإن ورد العكس كما في قوله سبحانه : ( إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ ) (٢) وقوله : ( وَهُوَ الغَفُورُ الوَدُودُ ) (٣).
ووجهه واضح ، فقد فسّر الراغب المودّة بقوله : إنّ مودّة الله لعباده مراعاته لهم. وفيها إشعار بمراعاة حال المودود وتعاهده وتفقده ، ولا يناسب ذلك من العبد بالنسبة إلى الله سبحانه.
أضف إلى ذلك أنّه يرجع إلى الوجه السادس الذي نقلناه عن الكشاف.
٣. لا أسألكم أجراً إلاّ أن تتواددوا بما يقرِّبكم إلى الله ، كأن يحسن بعضكم إلى بعض فيحصل التحابب والتوادد بما يقربكم إلى الله.
ولعل هذا الوجه أوفق لعبارة بعضهم حيث قال : لا أسألكم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ التوادّ والتحابّ فيما يقربكم إلى الله من العمل الصالح.
__________________
(١) ذكره الرازي وجهاً للآية راجع مفاتيح الغيب : ٧ / ٣٨٩.
(٢) هود : ٩٠.
(٣) البروج : ١٤.