إلى سفح جبل ثلج فأدخل يده فيه وأخرج إليّ منه خيارة خضراء ودفعها إليّ. فقال له حامد : فأكلتها؟ قال : نعم ، فقال له : كذبت يا ابن مائة ألف زانية في مائة ألف زانية ، أوجعوا فكه ، فأسرع الغلمان إليه فامتثلوا ما أمرهم به وهو يصيح : أليس من هذا خفنا؟ ثم أمر به فأقيم من المجلس ، وأقبل حامد يتحدّث عن قوم من أصحاب النيرنجات كانوا يعدون بإخراج التين ، وما يجري مجراه من الفواكه ، فإذا حصل ذلك في يد الإنسان وأراد أن يأكله صار بعرا. وحضرت مجلس حامد وقد أحضر سفط خيازر لطيف حمل من دار محمّد بن عليّ القنائي ـ أكبر ظني ـ فتقدم بفتحه ففتح فإذا فيه قدر جافة خضر ، وقوارير فيها شيء لون الزئبق ، وكسر خبز جافة ، وكان السمري حاضرا جالسا بالقرب من أبي ، فعجب من تلك القدر وتصييرها في سفط مختوم ، ومن تلك القوارير ـ وعندنا أنها أدهان ـ ومن كسر الخبز ، وسأل حامد السمري عن ذلك فدافعه عن الجواب واستعفاه منه ، وألح عليه في السؤال ، فعرفه أن تلك القدر رجيع الحلاج ، وأنه يستشفى به ، وأن الذي في القوارير بوله! فعرف حامد ما قاله فعجب منه من كان في المجلس ، واتصل القول في الطعن على الحلاج ، وأقبل أبي يعيد ذكر تلك الكسر ويتعجب منها وفي احتفاظهم بها حتى غاظ السمري ذلك فقال له : هو ذا أسمع ما تقول ، وأرى تعجبك من هذه الكسر وهي بين يديك فكل منها ما شئت ثم انظر كيف يكون قلبك للحلاج بعد أكلك ما تأكله منها فتهيب أبي أن يأكلها ، وتخوف أن يكون فيها سم ، وأحضر حامد الحلاج وسأله عما كان في السفط ، وعن احتفاظ أصحابه برجيعه وبوله؟ فذكر أنه شيء ما علم به ولا عرفه ، وكان يتفق في كثير من الأيام جلوس الحلاج في مجلس حامد إلى جنبي فأسمعه يقول دائما : سبحانك لا إله الّا أنت ، عملت سوءا وظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلّا أنت ، وكانت عليه مدرعة سوداء من صوف ، وكنت يوما وأبي بين يدي حامد ، ثم نهض عن مجلسه وخرجنا إلى دار العامة وجلسنا في رواقها ، وحضر هارون بن عمران الجهبذ فجلس بين يدي أبي ولم يحادثه فهو في ذاك إذ جاء غلام حامد الذي كان موكلا بالحلاج ، وأومأ إلى هارون بن عمران أن يخرج إليه ، فنهض عن المجلس مسرعا ونحن لا ندري ما السبب ، فغاب عنا قليلا ثم عاد وهو متغير اللون جدّا ، فأنكر أبي ما رآه منه وسأله عنه فقال : دعاني الغلام الموكل بالحلاج فخرجت إليه فأعلمني أنه دخل إليه ومعه الطبق الذي رسم أن يقدمه إليه في كل يوم ، فوجده ملأ البيت من سقفه إلى أرضه ، وملأ جوانبه فهاله ما رأى من ذلك ورمى بالطبق من