يده وخرج من البيت مسرعا ، وأن الغلام ارتعد وانتفض وحم! ، وبقي هارون يتعجب من ذلك. وبلغ حامدا عن بعض أصحاب الحلاج أنه ذكر أنه دخل إليه إلى الموضع الذي هو فيه وخاطبه بما أراده ، فأنكر ذلك كل الإنكار ، وتقدم بمسألة الحجاب والبوابين عنه وقد كان رسم أن لا يدخل إليه أحد ، وضرب بعض البوابين فحلفوا بالأيمان المغلظة أنهم ما أدخلوا أحدا من أصحاب الحلاج إليه ولا اجتاز بهم ، وتقدم بافتقاد السطوح وجوانب الحيطان فافتقدوا ذلك أجمع ، ولم يوجد له أثر ولا خلل ، فسأل الحلاج عن دخول من دخل إليه فقال : من القدرة نزل ، ومن الموضع الذي وصل إلى منه خرج. وكان يخرج إلى حامد في كل يوم دفاتر مما حمل من دور أصحاب الحلاج ، ويجعل بين يديه فيدفعها إلى أبي ويتقدم إليه بأن يقرأها عليه ، فكان يفعل ذلك دائما ، فقرأ عليه في بعض الأيام من كتب الحلاج والقاضي أبو عمر حاضر والقاضي أبو الحسين بن الأشناني ـ كتابا حكى فيه أن الإنسان إذا أراد الحج ولم يمكنه أفرد في داره بيتا لا يلحقه شيء من النجاسة ، ولا يدخله أحد ، ومنع من تطرقه فإذا حضرت أيام الحج طاف حوله طوافه حول البيت الحرام فإذا انقضى ذلك ، وقضى من المناسك ما يقضى بمكة مثله ، جمع ثلاثين يتيما وعمل لهم أمرا ما يمكنه من الطعام وأحضرهم إلى ذلك البيت ، وقدم إليهم ذلك الطعام وتولى خدمتهم بنفسه ، فإذا فرغوا من أكلهم وغسل أيديهم كسا كل واحد منهم قميصا ودفع إليه سبعة دراهم ، أو ثلاثة ـ الشك مني ـ فإذا فعل ذلك قام له مقام الحج. فلما قرأ أبي هذا الفصل التفت أبو عمر القاضي إلى الحلاج وقال له : من أين لك هذا؟ قال : من كتاب الإخلاص للحسن البصريّ ، فقال له أبو عمر : كذبت يا حلال الدم ، قد سمعنا كتاب الإخلاص للحسن البصريّ بمكة وليس فيه شيء مما ذكرته ، فلما قال أبو عمر كذبت يا حلال الدم ، قال له حامد : أكتب بهذا ، فتشاغل أبو عمر بخطاب الحلاج ، فأقبل حامد يطالبه بالكتاب بما قاله ، وهو يدافع ويتشاغل إلى أن مد حامد الدواة من بين يديه إلى أبي عمر ، ودعا بدرج فدفعه إليه وألح عليه حامد بالمطالبة بالكتاب إلحاحا لم يمكنه معه المخالفة ، فكتب بإحلال دمه ، وكتب بعده من حضر المجلس ، ولما تبين الحلاج الصورة قال : ظهري حمى ودمي حرام ، وما يحل لكلم أن تتأولوا عليّ بما يبيحه ، واعتقادي الإسلام ، ومذهبي السنّة وتفضيل أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وسعيد وعبد الرّحمن بن عوف وأبي عبيدة بن الجرّاح ، ولي كتب في السنّة موجودة في الورّاقين ، فالله الله في دمي ، ولم يزل يردد هذا القول