فإذا كانت هذه طبيعة الإنسان فلا يبعد أن يسأل الله أن يرزقه ولداً صالحاً ، معطياً لله ميثاقاً بأن يشكره على تلك النعمة ولكنّه عندما ينال النعمة يجعل له شركاء فيما آتاه ، وعلى ذلك فالآية جارية مجرى المثل المضروب لبني آدم في نقضهم ميثاقهم الذي واثقوه به.
والدليل على أنّ الآية واردة في ذاك المجال ، ما ورد قبل هذه الآية من حديث الميثاق الذي أعطاه الإنسان لربّه ولكنّه نقضه بعده قال سبحانه قبيل هذه الآيات : ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ ) (١).
والميثاق الذي ورد في الآية ، معطوف على ذلك الميثاق الذي ورد في الآيتين ، وهذا دليل واضح على أنّ المراد هو تعريف طبيعة الإنسان وتوصيفها بالتعهد أوّلاً ، والنقض ثانياً ، وليس بصدد بيان حال الإنسان الشخصي أعني : أبانا آدم.
الثانية : انّ سياق الآية ولحنها يوحيان بأنّ الشخص الذي سأل الله أن يرزقه ولداً صالحاً ، كان يعيش في بيئة كان فيها آباء وأولاد بين صالح وطالح ، فنظر إليهم فتمنّى أنْ يرزقه الله ولداً صالحاً على غرار ما رآه ، غير أنّه لما رزقه الله ذلك الولد الصالح ، نقض ميثاقه أي شكره لله على ما رزقه من صالح الأولاد ، وهذا غير صادق في شأن أبينا آدم وأُمّنا حواء ، إذ لم يكن في بيئتهم آباء وأولاد ، صالحون وطالحون حتى يتمنّيا لنفسهما ولداً مثل ما رزقهم الله سبحانه.
الثالثة : انّ ذيل الآية يشهد بوضوح على أنّها غير مرتبطة بصفي الله آدم ،
__________________
(١) الأعراف : ١٧٢ ـ ١٧٣.