قول عبدتها ، فردَّ الله سبحانه على تلك المزاعم بقوله : ( فَتَعَالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (١). وعلى ما ذكرنا يحتمل أن يكون المراد من الشرك هو الشرك في التدبير ، ومثل هذا لا يليق أن ينسب إلى من هو دون الأنبياء والأولياء ، فكيف يمكن أن يوصف به صفي الله آدم عليهالسلام ؟!
وأقصى ما يمكن أن يقال هو أنّ المراد من النفس الواحدة وزوجها في صدر الآية هو آدم وحواء الشخصيّان ، ولكنه سبحانه عندما انتهى إلى قوله : ( لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا ) التفت من شخصهما إلى مطلق الذكور والأُناث من أولادهما أو إلى خصوص المشركين من نسلهما ، فيكون تقدير الكلام ( فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ) أي تغشى الزوج الزوجة من نسلهما ( حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ ) ... إلى آخر الآية.
وهذا ما يسمّى في علم المعاني بالالتفات ، وله نظائر في القرآن الكريم قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ ) (٢). ترى أنّه سبحانه خاطب الجماعة بالتسيير ثم خص راكب البحر بأمر آخر ومثله الآية ، ترى أنّه سبحانه أخبر عن عامّة أمر البشر بأنّهم مخلوقون من نفس واحدة وزوجها وهما آدم وحواء ، ثم ساق الكلام إلى مطلق ذرية آدم من البشر.
وهذا الوجه نقله المرتضى في « تنزيه الأنبياء » عن أبي مسلم محمد بن بحر الاصفهاني (٣).
وتوجد وجوه أُخر في تفسير الآية غير تامة (٤). وفيما ذكرنا غنى وكفاية.
__________________
(١) مفاتيح الغيب : ٤ / ٣٤٣.
(٢) يونس : ٢٢.
(٣) تنزيه الأنبياء : ١٦.
(٤) لاحظ مفاتيح الغيب : ٤ / ٣٤١ ـ ٣٤٣ ; مجمع البيان : ٤ / ٥٠٨ ـ ٥١٠ ; أمالي المرتضى : ١٣٧ ـ ١٤٣.