وشمول عنايته لحاله ، والمغفرة بمعنى طلب الستر أعم من طلبه على المعصية المعروفة عند المتشرعة ، وكل ستر إلهي يسعد الإنسان ويجمع شمله.
وأمّا كون حقيقته الشكر ، فإنّ العناية الإلهية التي حالت بينه وبين السؤال الذي كان يوجب دخوله في زمرة الجاهلين ، كانت ستراً إلهياً على زلة في طريقه ، ورحمة ونعمة أنعم الله سبحانه بها عليه فقوله : ( وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ ) بمعنى أنّه إن لم تعذني من الزلاّت ، لخسرت ، فهو ثناء وشكر لصنعه الجميل (١).
وتظهر حقيقة ذلك الكلام ممّا قدمناه في قصة آدم من أنّ كثيراً من المباحات تعد ذنباً نسبياً بالنسبة إلى طبقة خاصة من الأولياء والأنبياء ، فعند صدور مثل ذلك يجب عليهم ـ تكميلاً لعصمتهم ـ طلب الغفران والرحمة ، حتى لا يكونوا من الخاسرين ، وليس الخسران منحصراً في الإتيان بالمعصية ، بل ربّ فعل سائغ يعد صدوره من الطبقة العليا خسراناً وخيبة ، كما أوضحناه في قصة آدم.
نعم لم يصدر من شيخ الأنبياء في ذلك المقام فعل غير أنّه وقع في مظنة صدور ذلك الفعل ، وهو السؤال عمّا لا يعلم ، فلأجل ذلك صح له أن يطلب الستر على تلك الحالة بالعناية الإلهية الحائلة بينه وبين صدوره.
إلى هنا تبيّن مفاد الآيات وأنّه ليس فيها إشعار بصدور الذنب بل حتى ما يوجب العتاب واللوم.
ثم إنّ لبعض المفسرين من العدلية أجوبة أُخرى للأسئلة المطروحة ، فمن أراد الوقوف عليها ، فليرجع إلى مظانها (٢).
__________________
(١) الميزان : ١٠ / ٢٣٨.
(٢) لاحظ تنزيه الأنبياء : ١٨ ـ ١٩ ; مجمع البيان : ٣ / ١٦٧ ; بحار الأنوار : ١١ / ٢١٣ ـ ٣١٤ إلى غير ذلك.