على الإطلاق وبلا تقييد.
ولم يكن في هذه الحالة أمام يوسف إلاّ أن يدافع عن نفسه ، ولكنّه لما استشعر بأنّ ضرب العزيزة سوف يتخذ ذريعة لبهته واتهامه ، اعتصم عن ضربها والهمّ بها ، وهذا معنى قوله : ( وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ).
وهذا المعنى هو المختار لبعض أهل التفسير ، واختاره صاحب المنار ، وسعى في تقويته بقوله : تالله لقد همّت المرأة بالبطش به لعصيانه أمرها وهي في نظرها سيدته وهو عبدها وقد أذلّت نفسها له بدعوته الصريحة إلى نفسها بعد الاحتيال عليه بمراودته عن نفسه ، ومن شأن المرأة أن تكون مطلوبة لا طالبة ، ولكن هذا العبد العبراني قد عكس القضية وخرق نظام الطبيعة فأخرج المرأة من طبع أُنوثتها في دلالها وتمنعها وهبط بالسيدة المالكة من عز سيادتها وسلطانها وعندئذ همّت بالبطش به في ثورة غضبها وهو انتقام معهود من مثلها وممن دونها في كل زمان ومكان (١).
ثم إنّ بعض المعاصرين اختار المعنى المذكور غير انّه فسر ( بُرْهَانَ رَبِّهِ ) بغير الوجه المذكور في هذا الرأي بل فسره بانفتاح الباب بإرادة الله سبحانه حيث إنّ امرأة العزيز كانت قد غلقت الأبواب وأحكمت سدها ، وعندما وقع هذا الشجار بينها وبين يوسف ، سبق يوسف إلى الباب فراراً منها وانفتح الباب له بإرادة الله سبحانه ، وهذا هو برهان الرب الذي رآه ، ويدل على ذلك انّ القرآن يصرح بغلق الأبواب ولا يأتي عن انفتاح الباب بأي ذكر ، وهذا يدل على أنّ المراد من ( بُرْهَانَ رَبِّهِ ) هو فتح الباب من عند الله سبحانه في وجه يوسف كرامة له.
ولا يخفى ضعف هذا التفسير ، وذلك لأنّه لو كان المراد من البرهان هو
__________________
(١) تفسير المنار : ١٢ / ٢٧٨.