حِسَابٍ * وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ ) (١) فالآيات بحكم « الفاء » في قوله ( فَسَخَّرْنَا لَهُ ) تدل على أنّه لم يطلب مطلق الحكم ، وهو السلطة التي يصح أن يمارسها المتعارف من الناس خصوصاً إذا كانوا من الصلحاء ، وانّما طلب من القدرة ما يصل بها إلى تسخير الريح والجن والشياطين. ومثل هذه القدرة لا تصح في منطق العقل أن تقع في متناول المتعارف من الناس ، لأنّ وجود تلك السلطة في متناول غير المعصوم يؤدي إلى الطغيان وهدم الحدود وادّعاء الربوبية ، إلى غير ذلك من عظيم الفساد ، وإنّما تكون مقرونة بالصلاح والفلاح إذا مارسها نبي عارف بعظمة المسؤولية أمام الله أوّلاً ، وأمام العقل والوجدان ثانياً ، وأمام الخلق ثالثاً.
ولأجل ذلك يقول : ( لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ) ويريد منه الإنسان المتعارف غير المتمسّك بحبل العصمة ، وغير المتحلّي بالنبوة ، فإنّ هذا الملك ـ لما عرفت ـ لا ينبغي لأحد ، وإنّما ينبغي لسليمان ومن يكون بمنزلته من الصيانة والعصمة.
وإلى ما ذكرنا يشير المرتضى ويقول : إنّما التمس أن يكون ملكه آية لنبوته ، ليتبين بها عن غيره ممّن ليس بنبي وقوله : ( لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بَعْدِي ) أراد به لا ينبغي لأحد غيري ممّن أنا مبعوث إليه ، ولم يرد من بعده إلى يوم القيامة من النبيين (٢).
__________________
(١) ص : ٣٦ ـ ٤٠.
(٢) تنزيه الأنبياء : ١٠٠.