الجواب : الفرق بين الإيمانين ، أحدث هذا الفرق ، حيث كان إيمان قوم يونس إيماناً عن اختيار ، ولأجل ذلك بقوا على إيمانهم بعد رفع العذاب ، وكان إيمان فرعون إيماناً اضطرارياً غير ناجم عن ثورة روحية على الكفر والوثنية ، بل كان وليد رؤية العذاب وهجوم الأمواج ، لا أقول : إنّ إيمان قوم يونس كان حقيقياً جدياً وإيمان الآخرين كان صورياً غير حقيقي ، بل : الكل كان حقيقياً ، وإنّما الاختلاف في كون أحدهما ناشئاً من اختيار ، والآخر ناشئاً من الاضطرار والخوف ، وبعبارة أُخرى : ناشئاً من عامل داخلي وناشئاً من عامل خارجي.
والدليل على ذلك استقرار وثبوت قوم يونس على الإيمان بعد كشف العذاب عنهم لقوله سبحانه : ( وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ) ، ويقول سبحانه : ( وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ ) (١) ، والظاهر من الآية أنّ يونس بعدما نجا ممّا ابتلي به ، أرسل إلى نفس قومه ، فاستقبلوه بوجوه مشرقة وتمتعوا في ظل الإيمان إلى الوقت المؤجل في علم الله.
وأمّا الفراعنة فكانت سيرتهم الإيمان عند نزول العذاب والرجوع إلى الفساد وإلى ما كانوا عليه من الفساد في مجال العقيدة والعمل ، بعد كشفه ، والذكر الحكيم يصرّح بذلك في الآيات التالية : ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَىٰ أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ ) (٢).
__________________
(١) الصافات : ١٤٧ ـ ١٤٨.
(٢) الأعراف : ١٣٣ ـ ١٣٥.