من طريق الوحي ، فعندئذ يكون عاملاً بشريعة من تقدم ولا يكون تابعاً لصاحبها ومقتدياً به ، وإن كان عاملاً بالشريعة التي نزلت قبله ، وهذا نظير أنبياء بني إسرائيل فقد كانوا مأمورين بالحكم على طبق التوراة مع أنّهم لم يكونوا من أُمّة موسى قال سبحانه : ( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ) (١) ، وإلى هذا الشق يشير المرتضى بقوله : إنّه غير ممتنع أن يوجب الله تعالى عليه بعض ما قامت الحجة من بعض الشرائع المتقدّمة لا على وجه الاقتداء بغيره فيها ولا الاتباع.
وإمّا أن يكون حاصلاً من طريق مخالطة أهل الكتاب وعلمائهم وهذا مما لا تصدّقه حياته إذ لم يكن مخالطاً لهم ولم يتعلم منهم شيئاً ولم يسألهم.
يقول العلاّمة المجلسي : لو كان متعبّداً بشرع لكان طريقه إلى ذلك إمّا الوحي أو النقل ، ويلزم من الأوّل أن يكون شرعاً له لا شرعاً لغيره ، ومن الثاني التعويل على اليهود ، وهو باطل (٢).
ج. انّ العمل بشريعة من قبله ما سوى المسيح بن مريم ، يستلزم أن يكون عاملاً بالشرائع المنسوخة فهو أشدّ فساداً ، فكيف يجوز العمل بشريعة نسخت ؟
قال الشيخ الطوسي : فإن قالوا : كان متعبّداً بشريعة موسى ، فإنَّ ذلك فاسد حيث إنّ شريعته كانت منسوخة بشريعة عيسى ، وإن قالوا : كان متعبّداً بشريعة عيسى فهو أيضاً فاسد ، لأنّ شريعته قد انقطعت واندرس نقلها ولم تتصل كاتصال نقل المعجزة ، وإذا لم تتصل لم يصح أن يعمل بها (٣).
__________________
(١) المائدة : ٤٤.
(٢) البحار : ١٨ / ٢٧٦.
(٣) عدة الأُصول : ٢ / ٦١.