والعجب أنَّ علاّمة مصر الشيخ محمد عبده شيخ الأزهر الّذي كان يرتجى منه الحفاظ على المفاهيم الأصيلة ، تورّط في هذا المأزق ، ففسر الملائكة وإبليس تفسيراً ماديّاً بعيداً عن ساحته (١).
كما أنّ موقفه في تفسير السحر كذلك أيضاً ، حيث يفسر قوله سبحانه : ( مِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ ) (٢) بالنّمامين المقطعين لروابط الإلفة ، المحرقين لها بما يلقون عليها من ضرام نمائمهم (٣).
وقد تأثر بهذا المنهج تلميذه الشيخ محمد رشيد رضا ، فعاد ينكر أن يكون للنبي معجزة غير القرآن الكريم ، ويقول في جواب المحتجين بانشقاق القمر : قد بيّنّا أنّ ما تدلّ عليه الآيات القرآنية المؤيدة بحديث الصحيحين الصريح في حصر معجزة نبوّته في القرآن ، هوالحق الّذي لا ينهض لمعارضته شيء (٤).
فإذا كان شيخ الأزهر ( عبده ) وتلميذه سائرين على هذا النمط من التأويل ، فما الظن بغيرهما من البسطاء ؟!!
إذا كان ربُّ البيت بالدف مولعاً |
|
فشيمة أهل البيت كلُّهم الطرب |
ولقد كان المفسّر المعاصر سيد قطب يميل إلى هذا النوع من التأويل ، ولكنّه عندما وصل إلى تفسير سورة الجن تنبّه إلى أنّ في هذا اللون من التأويل ضرراً وبيلاً وقال : الجزم بنفي وجود الجن ، ومعلومات البشر عن هذا الكون وقواه وسكانه من الضآلة بحيث لا تسمع بإنسان يحترم عقله أن يجزم بشيء.
__________________
(١) لاحظ المنار : ١ / ٢٦٧.
(٢) الفلق : ٤.
(٣) تفسير جزء عم : ١٨٠.
(٤) تفسير المنار : ١١ / ٣٣٣ ; الوحي المحمدي : ٦٩.