أنّ متعلّق الإيمان الحاصل بعد الوحي ، هو الإيمان ( بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ ) ، أعني : تفاصيل الكتاب في المجالات المختلفة ، لا الإيمان بالله وتوحيده ، وعندئذ يرتفع الإبهام في الآية التي تمسّكت بها المخطّئة ، ويتبيّن أنّ متعلّق الإيمان المنفي في قوله : ( وَلا الإِيمَانُ ) هو « ما أنزل إليه » لا الإيمان بالمبدأ وتوحيده.
والحاصل : أنّ هنا شيئاً واحداً ، أعني : الإيمان بما أُنزل من المعارف والأحكام والأنباء ، فقد نفى عنه في الآية المبحوث عنها لكونها ناظرة إلى ما قبل البعثة ، وأثبت له في الآية الأُخرى لكونها ناظرة إلى ما بعد البعثة.
ومن هنا تتضح أهمية عرض الآيات بعضها على بعض وتفسير الآية باختها ، فهاتان الآيتان كما عرفت كافلتان لرفع إبهام الآية وإجمالها.
وقد تفطن المفسرون لما ذكرناه على وجه الإجمال فقال الزمخشري في الكشاف : الإيمان اسم يتناول أشياء : بعضها الطريق إليه العقل ، وبعضها الطريق إليه السمع ، فعنى به ما الطريق إليه السمع دون العقل ، وذاك ما كان له فيه علم حتى كسبه بالوحي (١).
وقال الطبرسي : ( مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ ) ما القرآن ولا الشرائع ومعالم الإيمان (٢).
وقال الرازي : المراد من الإيمان هو الإقرار بجميع ما كلّف الله تعالى به ، وأنّه قبل النبوّة ما كان عارفاً بجميع تكاليف الله تعالى بل أنّه كان عارفاً بالله ... ثم قال : صفات الله تعالى على قسمين : منها ما تمكن معرفته بمحض دلائل العقل ، ومنها ما لا تمكن معرفته إلاّ بالدلائل السمعية ، فهذا القسم الثاني لم تكن معرفته
__________________
(١) الكشاف : ٣ / ٨٨ ـ ٨٩.
(٢) مجمع البيان : ٥ / ٣٧.