كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ) (١) ، وقال تعالى : ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ ) (٢) ، والشهادة فيها مطلقة ، وظاهر الجميع هو الشهادة على أعمال الأُمم وعلى تبليغ الرسل كما يومي إليه قوله تعالى : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المُرْسَلِينَ ) (٣) ، وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة ويوم القيامة لكن يتحملها الشهود في الدنيا على ما يدل عليه قوله سبحانه حكاية عن عيسى : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) (٤) ، وقال سبحانه : ( وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا ) (٥) ، ومن الواضح أنّ الشهادة فرع العلم ، وعدم الخطأ في تشخيص المشهود به ، فلو كان النبي من الشهداء يجب ألاّ يكون خاطئاً في شهادته ، فالآية تدلّ على صيانته وعصمته من الخطأ في مجال الشهادة كما تدلّ على سعة علمه ، لأنّ الحواس لا ترشدنا إلاّ إلى صور الأعمال والأفعال ، والشهادة عليها غير كافية عند القضاء ، وإنّما تكون مفيدة إذا شهد على حقائقها من الكفر والإيمان ، والرياء والإخلاص ، وبالجملة على كل خفي عن الحس ومستبطن عند الإنسان ، أعني ما تكسبه القلوب وعليه يدور حساب رب العالمين ، قال تعالى : ( وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) (٦) ، ولا شك أنّ الشهادة على حقائق أعمال الأُمّة خارج عن وسع الإنسان العادي إلاّ إذا تمسّك
__________________
(١) النحل : ٨٤.
(٢) الزمر : ٦٩.
(٣) الأعراف : ٦.
(٤) المائدة : ١١٧.
(٥) النساء : ١٥٩.
(٦) البقرة : ٢٢٥.