وبعبارة أُخرى : انّ من حقّ الأُمّة أن تختار حكّامها ، تعيّنهم وتعزلهم وتراقبهم في كل تصرفاتهم الشخصية والعامّة ، وعلى ذلك فالإمامة منصب عرفي كسائر المناصب المطروحة في المجتمع غير انّها تتفاوت بسعة المسؤولية وضيقها ، فالإمام أكثر مسؤولية من الوزراء ، وهم أكبر مسؤولية من المدراء العامين ، ولا يخلف الإمام النبي الراحل إلاّ في بعض مسؤوليته ، وهي الأخذ بزمام السلطة في الشؤون الّتي تتوقف عليها حياة الأُمّة ، ولأجل ذلك يعتبر فيه من المؤهلات والصلاحيات : الدراية والكفاية أوّلاً ، والعلم بالأحكام والقوانين على مستوى خاص ثانياً.
وأمّا سائر الشروط ، كالعصمة الإلهية ، والعلم بجميع الأحكام الشرعية ، والإجابة عن كل الأسئلة المطروحة ، والدفاع العلمي عن أُصول الشريعة ومعارفها العليا ، وتفسير ما ورد من الآيات في الذكر الحكيم و ... فلا يعتبر قطعاً ، لأنّ الهدف المتوخّى من الإمام على هذا الصعيد هو إعمال السلطة وقيادة السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وتكفيه المقدرة العادية والعلم بمقدار محدود.
هذا هو أساس تلك النظرية ، وعلى ذلك نجد أنّ معتنقي تلك النظرية يصفون الإمام وشروطه بالعبارات التالية :
يقول القاضي الباقلاني : يجب أن يكون الإمام على أوصاف : منها : أن يكون قرشياً من الصميم ، وأن يكون من العلم بمنزلة من يصلح أن يكون قاضياً من قضاة المسلمين ، وأن يكون ذا بصيرة بأمر الحرب وتدبير الجيوش والسرايا وسد الثغور وحماية البيضة وحفظ الأُمّة والانتقام من ظالمها ونصرة مظلومها وما يتعلّق به من مصالحها ، وأن لا يكون ممّن تلحقه رقة ولا هوادة في إقامة الحدود ولا جزع