ولا يخفى وهن هذا الرأي ، لأنّ إبراهيم عليهالسلام كان نبياً قبل الابتلاء بالكلمات وقبل تنصيبه إماماً ، فكيف يصحّ أن تفسر الإمامة بالنبوة على ما في لفظ الرازي والرسالة على ما في لفظ المنار ؟! ويتضح ذلك بالأُمور التالية :
١. انّ نزول الوحي على إبراهيم عليهالسلام ـ كما تدل عليه الآية : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) ـ أوضح دليل على أنّه كان نبياً متلقياً للوحي قبل نزول هذه الآية ، وليس في وسع أحد أن يقول : إنّ الخطاب إليه بقوله : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ) يدلّ على كونه نبياً حينه ، ولا يدل على كونه نبياً من قبل ، وذلك لأنّ اسلوب الوحي البدائي يختلف لوناً عن الوحي الاستمراري ، فالمحاورة الموجودة في هذه الآية تعرب عن أنّه كان مأنوساً بالوحي قبل نزولها ، ولأجل ذلك لما تشرف بمقام الإمامة أطال الكلام وطلبها لذريته ، وليس هذا اللون من الكلام يشبه الوحي الابتدائي أبداً ، فإنّ الإنسان في بدء لقائه وكلامه مع شخص ، لا يتجاوز عن أُمور كلية ولا يتجاوز إلى أخص الخصوصيات ، وهي طلب المنزلة لنسله ، بل هذا يناسب كلام من كان مأنوساً بمخاطبه ومكلّمه.
ويمكن لك أن تكشف الحقيقة بالخطاب النازل على موسى في بداية الإيحاء إليه بالنبوة قال سبحانه : ( فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ) (١).
ونظير ذلك ما خوطب به النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم في بدء نزول الوحي ، قال سبحانه : ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) (٢).
ومن هذا ينتج انّ الخليل كان نبياً قبل إلقاء الخطاب بالرسالة عليه ، فيكون
__________________
(١) القصص : ٣٠.
(٢) العلق : ١.