إذا عرفت هذين الأمرين فنقول : يجب أن تكون الإمامة الموهوبة ( عند ما كان الخليل صاحب ذرية ) غير النبوة ، وإلاّ فيلزم أن تكون هبة المنصب الّذي كان واجداً له قبل ذلك بكثير ، أشبه بتحصيل الحاصل.
والحاصل : انّ الآية تدل على أنّ الإمامة أُفيضت عليه عندماكان ذا ولد بدليل طلبها لهم ، ودلّت الآيات الماضية على أنّه كان نبياًقبل أن يرزق أيّ ولد ، فينتج انّ الإمامة الموهوبة في الأزمنة المتأخرة عن بعثته بكثير ، غير النبوة ، غير انّ بعض المفسرين لمّا وقف على ذلك الوجه وانّه لا يصحّ طلب شيء للذرية إلاّ لمن كان له بعضها صار بصدد دفعه بأنّ إبراهيم يوم خوطب بقوله سبحانه : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ... ) لم يكن ذا ذريّة وإنّما طلبها لهم لأجل التعرّف من جواب الله سبحانه على أنّه هل يكون في المستقبل ذا ذرية أم لا ؟ فوقف من جوابه سبحانه على أنّه لا يموت عقيماً بل يكون ذا ذرية.
ولا يخفى أنّ ما ذكره غير صحيح ، لأنّ الحكم على الذرية على وجه الإيجاب يقتضي أن يكون الرجل رزق بعضها ، وأمّا إذا لم يكن له أي ولد فلا يستحسن في العرف ، الدعاء لهم بالإمامة ، ولأجل ذلك ترى أنّ إبراهيم يستعمل لفظ الذرية في أولاده المحقّقين ويقول : ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المُحَرَّمِ ) (١).
ويقول أيضاً : ( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً ) (٢) ، وقد طلب ذلك عندما كان يرفع القواعد من البيت مع ولده إسماعيل.
نعم إنّ الإنسان يصحّ أن يطلب من الله ذرية صالحة تكن قرة عين له كما
__________________
(١) إبراهيم : ٣٧.
(٢) البقرة : ١٢٨.