جميع المجالات الثلاثة : قولاً وفعلاً وتقريراً ، لا في مجال خاص كالإتيان بالواجبات وترك المحرمات دون مجال كترك الأولى.
توضحيه : انّ الأنبياء على قسمين : قسم منهم يصحّ أن نجعل أقوالهم وأفعالهم وتقريراتهم على وجه الإطلاق أُسوة ، ودليلاً في مجالات الحياة ; وقسم منهم ليسوا كذلك ، لأنَّهم اقترفوا ما كان الأولى والأليق بشأنهم تركه ، ولأجل ذلك لا يصحّ أن يتخذوا أئمّة على الإطلاق ، ونرى أنّه سبحانه ينقل عن عدة منهم اقتراف أُمور لا تصحّ أن تجعل دليلاً في الحياة وأُسوة للمؤمنين ، يقول سبحانه في حق أبينا آدم : ( وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا ) (١).
كما ذكر تعالى عن نبيه موسى عليهالسلام عندما وكز عدوه وقضى عليه : ( هَٰذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ) (٢).
وينقل عن نبيّه يونس قوله : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاَّ إِلَٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) (٣).
وهذه الأعمال الصادرة من هؤلاء الأنبياء وإن لم تكن معصية ونقضاً للحكم المبرم وكانت عبارة عن ما يسمّى ب « ترك الأولى » في المصطلح ، وقد دللنا على ذلك عند البحث عن عصمة الأنبياء غير انّ هذه الأفعال حالت بينهم وبين أن يكونوا أئمّة على الإطلاق ويؤخذ بأفعالهم على وجه الإبرام ، ولأجل ذلك لم يكونوا أئمّة وأُسوة في كل شيء وإنّما كانت الإمامة ثابتة لطائفة أُخرى من الأنبياء
__________________
(١) طه : ١١٥.
(٢) القصص : ١٥.
(٣) الأنبياء : ٨٧.