الثالث : الجماعة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر محتسبين ذلك وظيفة دينية عريقة ونصيحة لازمة للإخوان ، وقد حكى الله سبحانه على لسانهم في محكم كتابه العزيز حيث قال : ( مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) (١).
نرى أنّ الله سبحانه أباد الطائفتين الأُوليين وأنجى الثالثة قال سبحانه : ( فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) (٢).
فالآية الآخيرة صريحة في حصر النجاة في الناهين عن السوء فقط ، دون العادين والساكتين على عدوانهم ، فلو كان السكوت والصبر على عدوان العادين أمراً جائزاً ، لماذا عمّ العذاب كلتا الطائفتين ؟! أو ما كان في وسع هؤلاء أن يعتذروا للقائمين بالأمر بالمعروف ، بأنّ في القيام والخروج وحتّى في النصيحة بالقول تضعيفاً لقوّة الأُمّة وفكّاً لعراها ؟
فلو دلّت الآية الأُولى على حرمة طاعة الظالم ودلّت الآية الثانية على حرمة السكوت في مقابل طغيان العادين ، فهناك آية ثالثة تدل على حرمة الركون إلى الظالم يقول سبحانه : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ) (٣).
أوليس تأييد الحاكم الجائر والدعاء له في الجمعة والجماعات ، وإقامة الصلاة بأمره ، وإدارة كل شأن خوّل منه إليه ، يعد ركوناً إلى الظالم ؟ فما هو جواب هؤلاء المرتزقة في الدول الإسلامية اصطلاحاً الذين يعترفون بجور حكامهم وانحرافهم عن الصراط السوي ، ومع ذلك يدعون لهم عقب خطب الجماعات بطول العمر ودوام السلامة ، ويديرون الشؤون الدينية حسب الخطط الّتي يرسمها
__________________
(١) الأعراف : ١٦٤.
(٢) الأعراف : ١٦٥.
(٣) هود : ١١٣.