وهذا معاوية بن أبي سفيان يعد من الصحابة وقد صنع بالإسلام والمسلمين ما قد صنع ممّا هو مشهور في التاريخ ، ومن ذلك انّه حارب الإمام علياً عليه الصلاة والسلام في صفين ، وكان مع علي كل من بقي من البدريين وهم قريب من مائة شخص ، فهل من حارب هؤلاء الصحابة جميعاً بما فيهم سيد الصحابة علي عليهالسلام يعد من أهل الفضل والصلاح والعدالة ؟! فاقض ما أنت قاض.
نقل صاحب المنار : إنّه قال أحد علماء الألمان في « الاستانة » لبعض المسلمين وفيهم أحد شرفاء مكة : إنّه ينبغي لنا أن نقيم تمثالاً من الذهب لمعاوية بن أبي سفيان في ميدان كذا من عاصمتنا « برلين » ، قيل له : لماذا ؟ قال : لأنّه هو الّذي حول نظام الحكم الإسلامي عن قاعدته الديمقراطية إلى عصبية الغلب ( الملك لمن غلب ) ولولا ذلك ، لعم الإسلام العالم كله ، ولكنّا نحن الألمان وسائر شعوب أوربا عرباً مسلمين (١).
هذا خال المؤمنين الّذي يترحّم عليه خطباء الجمعة والجماعة ، فكيف حال غيره ؟! أضف إليه ما له من الموبقات والمهلكات ممّا لا يمكن لأحد إنكاره ، والاعتذار منه في تبرير أعماله القاسية باجتهاده في ما ناء به وباء بإثمه من حروب دامية وإزهاق نفوس بريئة تعد بالآلاف المؤلفة ليس إلاّ ضلالة وخداعاً للعقل ، فإنّه اجتهاد على خلاف الله وضد رسوله ، وإلاّ يصحّ أن يعد جميع المناوئين للإسلام مجتهدين في صدر الإسلام ومؤخّره.
هذا مجمل القول في هذا الأصل الّذي اتّخذه أصحاب الحديث أصلاً من أُصول الإسلام ، ثم أدخله الأشعري في الأُصول الّتي يتبنّاها أكثر أهل السنّة والجماعة.
__________________
(١) تفسير المنار : ١١ / ٢٦٩ ، في تفسير سورة يونس.