هذا كلّه راجع إلى تحليل هذا الشرط من زاوية قضاء العقل ، فهلم معي نعرض صحة هذا الشرط على القرآن الكريم ، وهل هو يصدّق الكاتب في هذا الادّعاء أو يكذّبه من أساسه.
نحن نرى أنّ هناك أنبياء صادقين لم ينجحوا في دعوتهم طيلة حياتهم ، هذا قوله سبحانه يصف كيفيّة نجاح نوح عليهالسلام بقوله :
( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ ) (١) ، وقد قام بالدعوة وإرشاد الناس ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً ، فما آمن به إلاّ عدّة قليلة أركبها على الفلك.
إنّ الاعتماد على الكثرة هو منطق الفراعنة ، وقد كان فرعون يصف أتباع موسى بقوله : ( إِنَّ هَٰؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ) (٢) ، وعلى العكس يصف سبحانه أتباع الحق ويقول : ( إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ) (٣).
على أنّه لا ملازمة بين صحة دعوة الداعي ، وإجابة المدعوين ، فربّما يكون الداعي كاملاً في دعوته ، قويّاً في منطقه ، رصيناً في بيانه ومجرّباً في إلقاء الحجّة ، إلاّ انّ الظروف لا تسمح للتجاوب والتصويت ، أو يكون المدعوّون أُسراء الشهوة وطلاّب اللذة فلا يكون الداعي مهما بلغ في صحة الدعوة شأواً شامخاً ناجحاً في الدعوة.
فلسفة جديدة
وان تعجب فعجب أنّه جعل نجاح الداعي في تربية الجيل الأوّل وصحبه الكرام شرطاً للرسالة الدائمة والنبوة الخالدة ، لا شرطاً لمطلق النبوّة والرسالة ، وإن
__________________
(١) هود : ٤٠.
(٢) الشعراء : ٥٤.
(٣) ص : ٢٤.