يقول العلاّمة الطباطبائي : إنّ قوله سبحانه : ( فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ) إلى آخر الآيتين يدل على أنّ الوحي الإلهي محفوظ من لدن صدوره من مصدر الوحي إلى بلوغه الناس ، مصون في طريق نزوله إلى أن يصل إلى من قصد نزوله إليه.
أمّا مصونيته من حين صدوره من مصدره إلى أن ينتهي إلى الرسول فيكفي في الدلالة عليه قوله : ( مِنْ خَلْفِهِ ) وأمّا مصونيته حين أخذ الرسول إياه وتلقيه من ملك الوحي بحيث يعرفه ولا يغلط في أخذه ، ومصونيته في حفظه بحيث يعيه كما أُوحي إليه من غير أن ينساه أو يغيره أو يبدله.
ومصونيته في تبليغه إلى الناس من تصرف الشيطان فيه فالدليل عليه قوله : ( لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ) حيث يدل على أنّ الغرض الإلهي من سلوك الرصد أن يعلم إبلاغهم رسالات ربهم أي أن يتحقّق في الخارج إبلاغ الوحي إلى الناس ، ولازمه بلوغه إيّاهم ولولا مصونية الرسول في الجهات الثلاث المذكورة جميعاً لم يتم الغرض الإلهي وهو ظاهر.
وحيث لم يذكر تعالى للحصول على هذا الغرض طريقاً غير سلوك الرصد دل ذلك على أنّ الوحي محروس بالملائكة وهو عند الرسول ، كما أنّه محروس بهم في طريقه إلى الرسول حتى ينتهي إليه ، ويؤكده قوله بعده : ( وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ ).
وأمّا مصونيته في مسيره من الرسول حتى ينتهي إلى الناس فيكفي فيه قوله : ( مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ) على ما تقدم معناه.
أضف إلى ذلك دلالة قوله : ( لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ ) بما تقدم من تقريب دلالته.
ويتفرع على هذا البيان : انّ الرسول مؤيد بالعصمة في أخذ الوحي من ربّه وفي حفظه وفي تبليغه إلى الناس ، مصون من الخطأ في الجهات الثلاث جميعاً لما مرّ