لا مناطق فراغ بين الفقيه والناس
منذ البدء مثّل الدين ـ بمختلف ألوانه وأساليبه وتعبيراته ـ حاجة إنسانية لا غنى عنها ، ولم تحدّ المناهج الإلحادية من وهج الدين رغم النهضة الصناعية التي نادت بقطع دابره والانتصار لمبدأ العلّية بنظرية الميكانيكا التي ذاع صيتها وتوسّعت آفاقها وحلّقت عالياً في فضاءات العلم والمعرفة ، وقابلها تراجعٌ ملحوظ في العلوم الإنسانية حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، حيث تشكّلت «حلقة فيّنا» التي رشح عنها جملة نظريات وآراء ـ أشهرها نظرية الاحتمال ـ قوّضت نظرية الميكانيكا وحسرت مدّها ، فعاد الدين فاعلاً من جديد وازدهرت العلوم الإنسانية ثانيةً.
لكنّ المجتمع عندنا بقي أقلّ تأ ثّراً بما أصاب الآخرين من رياح الإلحاد وعواصف الضلال الفكرية ; ولعلّ البناء العَقَدي والهيكل النظمي والترابط الجيّد بين الاُمّة وانتمائها عبر المؤسّسة الدينية قد شيّد الشاهق الذي حدّ من قدرة الغزو الثقافي الإلحادي ونظائره.
والمؤسّسة الدينية عندنا لها نظامها وخصائصها وشروطها التي