من هذا المنطلق اكتسبت مسألة تقويم التراثيّات وإعادة قراءتها على ضوء المعطيات الجديدة أهمّيّةً خاصّة ، ولاسيّما أنّ ذلك يتطلّب نمطاً من الجرأة والشهامة والإقدام ما قد يعدّ مجازفةً أو انحرافاً أو كفراً ، فمثلاً حينما تنقلب الموازين والمعادلات وتتغيّر مناهج العلوم ومقاصدها ويجعل الكلام هو قصد الإنسان نحو الله ، حينها تكون الاحتمالات المذكورة أعلاه واردة ، مع أنّ الدافع لذلك ـ برأي أصحاب هذا التوجّه ـ ليس ترميم الماضي بل تغيير الحاضر ، ذلك حينما لا يكون التراث غاية في ذاته بل وسيلة للتحريك والتغيير.
وفي الوقت الذي يرى فيه محمّد عابد الجابري ضرورة إحداث قطيعة ابستمولوجيّة بين العقل العربي وعصور الانحطاط وامتداداتها فإنّه يؤكّد على وصل المعاصرة بالأصالة ، لأ نّنا ـ حسب تعبيره ـ لا نستطيع أن ننشد الواحد دون ربطه بالآخر.
ويدعو جابر عصفور إلى ابتداع أدوات تفكير جديدة ومقولات تفسير لرؤيا متجدّدة ; ذلك من أجل عدم الوقوع في حداثة أحديّة موحّدة لكلّ تجلّيات الوعي الفردي والجماعي ، إنّما جدليّاً خلق حداثات متعدّدة تنخرط في تطوّر التاريخ وتطويره ، فالحداثة تنقلب نحو مثيلتها أو نقيضتها لكنّها تبقى حداثة وتبتغي التحديث ..
وهذا التنوّع يظلّله حقّ الاختلاف وحرّيّة الاختيار ، الذي يدافع عنه كذلك علي أومليل من جهة نظر ديمقراطيّة مشروعة كما يعتقد ، تذهب