لأمر ما رأساً لا يشتاقه ولا يطلبه ; إذ الشوق للمعدوم المحض والطلب للمجهول المطلق مستحيل ، وكذا الواجد لأمر ما لا يشتاقه ولا يطلبه لاستحالة تحصيل الحاصل ، فالواجب سبحانه إذ هو من فضيلة الوجود في غاية التمام ، وهو بريء من أنحاء النقص مقدّس عن شوائب القصور في الوجود والذات ، فمحال أن يلحقه تشوّق إلى شيء ويعتريه طلب وحركة إلى تمام وكمال ، بل لكونه تامّ الوجود وفوق التمام يليق به أن يُشتاق إليه ويعشقه كلّ من سواه ، وكذا العقول الفعّالة لكونها مفطورة على كمالاتها ، مجبولة على فضائلها التي تليق بمرتبة كلّ منها ، ماثلة بين يدي قيّومها ، مشاهدة لجمال مبدعها وجاعلها (١).
وقال في تفسير القرآن (١ : ٤٥ ، ١٨) : ممّا يدلّ على أنّ الشوق يستلزم الوصول : أنّ الشوق عبارة عن الحركة إلى تتميم الكمال ، وما من وجود إلاّ وله ضرب من الخيريّة والكمال ; إذ له حظّ من الوجود ، والوجود قد ثبت أنّه خير ومؤثّر ، ففي كلّ موجود عشق إلى ذاته. وما من موجود في عالم الإمكان إلاّ ولوجوده غاية كماليّة وشوق إلى تحصيل تلك الغاية كما بيّن في مباحث الغايات في العلم الإلهي.
وفي التفسير أيضاً (٤ : ٢١٩ ، ١٥) : الشوق وهو توجّه نفساني جبلّي إلى الشيء المرغوب فيه طلباً وهرباً ، مبدؤه قوّة حيوانيّة ذات شعبيتين ، إحداهما شهويّة للطلب ، والاُخرى غضبيّة للهرب.
__________________
١. الأسفار ١ / ٢ : ٢٣٧ ، ١٢.