والمراد ; إنّه سبحانه وتعالى خلق الكون ، خلق الانسان وأهداه نعمة العقل وعزّزه بالرسل والأنبياء والرسالات والحجج البالغة ، فأتمّ الحجّة عليه ، وبعد أن أتمّ الحجّة عليه تركه مخيّراً غير مسيَّر (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١) فلا جبر ولا تفويض ، بل هو أمرٌ بين الأمرين ـ كما قال الصادق (عليه السلام) ـ (فَمِنْهُم مَن آمَنَ وَمِنْهُم مَن كَفَرَ) (٢).
لقد أثبت النزاع التاريخي الكبير عقم كلّ المحاولات التي سعت إلى حذف «الله» من دائرة الحياة ، ولا أعظم من الجهد الخارق والتقنيات المهيبة والأفكار العملاقة التي أسّست للنهضة الاُوربيّة الحديثة منهجاً ونسقاً ينفي «الله» من ساحة العمل والفكر ويحلّ محلّه التجربة والطبيعة كبديل نهائي عنه تبارك وتعالى ، وازدهرت الوجوديّة وطغى المدّ الإلحادي طغياناً حمل معه كلّ صفات الرفض والتمرّد والحرب على «الله» بالاستفادة ممّا توفّر من الأدوات والآليّات المعرفيّة والعلميّة والتقنيّة .. إلاّ أنّ الأدوات والآليّات والتقنّيات والمعايير العلميّة ذاتها أثبتت مرّة اُخرى فشل محاولة حذف «الله» من الحياة لمّا قالت : لابدّ للكون من قوّة عليا مسيطرة ، فأفَلَتِ الميكانيكا وتبخّرت أحلام نيوتن وراسل وبيكون وسارتر ... وها هم الأقطاب يفخرون بانتمائهم المسيحي ، وها هو فوكوياما يعلن فشل نظريّة نهاية التاريخ.
«الله» هو الحقيقة التي غلبت الإنكار والإلحاد ، وقد أعلمنا تبارك
__________________
١. سورة الإنسان : ٣.
٢. سورة البقرة : ٢٥٣.