وبالجملة لنا علم إجمالي بوجود واجبات ومحرّمات كثيرة في محتوى الأخبار الآحاد ، ونقطع بصدور كثير منها عن أئمّة أهل البيت عليهمالسلام. وسيّدهم وسيّدنا رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وحيث لا طريق لنا إلى إحراز ما صدر عنهم عليهمالسلام في هذه الأزمنة إلّا النظر إلى الأسناد ، وجب معرفة الصّادقين من الرّواة عن غيرهم ، فيعمل بخبر الصّادق ويترك خبر الكاذب والمجهول.
فإن قلت : مقتضى العلم الإجمالي السّابق الاحتياط في مداليل جميع الرّوايات؟
قلت : نعم إن لم ينحل بأخذ الصحاح والحسان والموثّقات.
فإن قلت : فما وجه هذا التبعيض بين خبر الصّادق والكاذب ، وبم يرجّح الأوّل على الثاني؟
قلت : الوجه المرجّح هو بناء العقلاء على حجيّة خبر الصّادق دون غيره ، وكذا الرّوايات الكثيرة الدّالة على حجيّة رواية الثقاة ، وهذا واضح لا غبار عليه.
هذا ولجماعات من العلماء مسالك في حجيّة الأخبار الآحاد يلزم منها ، إمّا قلّة الاحتياج إلى علم الرجال ، أو عدم الحاجة إليه ، وربّما قيل بعدم جواز الرجوع إليه ، وإليكم تفصيل تلك المسالك :
١. المسلك المنسوب الى السّيد المرتضى ، وابن إدريس ، وغيرهما رضياللهعنهم :
وهم ممّن لا يعملون بخبر الواحد غير العلمي ، وأنّهم يرون الأخبار المعمول بها ، إمّا متواترة ، أو محفوفة بالقرينة القطعيّة ، وعليه تنتفي عمدة فائدة العلم المذكور.
يقول السّيد المرتضى في محكي كلامه (١) : إنّ أكثر أحاديثنا المرويّة في كتبنا معلومة على صحّتها ، إمّا بالتواتر من طريق الإشاعة ، وإمّا بعلامة وأمارة دلّت على صحّتها وصدق رواتها ، فهي موجبة للعلم مقتضية للقطع ، وإن وجدناها مودّعة في الكتب بسند معيّن مخصوص من طريق الآحاد. ومثله غيره. (٢)
٢. مسلك جمع آخر من الأصولييّن :
وهو بأنّ كلّ رواية قبلها المشهور فهي مقبولة لنا ، وإن كانت غير معتبرة سندا ، وكلّ رواية لم يعمل بها المشهور فهي مردودة وإن كانت صحيحة السند.
والسرّ في ذلك ، إنّ عمل المشهور بها يكشف عن وجود قرينة دالّة على صحتّها ، بحيث لو وصلت إلينا لعملنا بها ، وإعراضهم عنها يكشف عن خلل فيها وإن لم يصل إلينا ، ولا
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ٢٠ / ٨٦.
(٢) إلّا أن يقال : إنّ في علم الرجال جملة من تلك القرائن والأمارات.