أقول : يظهر منه وثاقة الرجل في حديثه ، لكن سيأتي في ما بعد أن كتاب ابن الغضائري لم يحرز سنده وإن كان مؤلّفه ممدوحا ، وبالجملة جميع ما ينقل عن ابن الغضائري من كتابه مرسل غير معتبر كما مرّ ، على أنّ ابن الغضائري لم يسند تبرّم الصّادق عليهالسلام ، بل أرسله وهو غير حجّة ، فالرجاليّون الّذين يعتبر قولهم في حقّ مثل هذا الرجل لم يوثقوه ، وهو شيء عجيب ، نعم وثّقه العلّامة ردّا على ابن الغضائري (١) ، ووثّقه من تأخّر عنه ، لكن توثيقاتهم غير حجّة ؛ لأنّها ناشئة عن الحدّس دون الحس.
هذا وقد ورد في حقّ الرجل روايات ، فلا بدّ من لفت النظر إليها لتحقيق الحال ، ولكن ما يعتبر منها سندا ، ويفهم وروده في حقّ ليث دلالة روايتان.
١. صحيح جميل بن دراج قال : سمعت أبا عبد الله عليهالسلام يقول :
|
بشّر المخبتين بالجنّة : بريد بن معاوية العجلي ، وأبا بصير ليث بن البختري المرادي ، ومحمّد بن مسلم وزرارة ، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه ، لو لا هؤلآء انقطعت آثار النبوّة واندرست. (٢) |
٢. صحيح سليمان بن خالد قال : سمعت أبا عبد الله يقول :
|
ما أجد أحدا (٣) أحيي ذكرنا وأحاديث أبي إلّا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمّد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي (٤) ، ولو لا هؤلآء ما كان أحد يستنبط هذا. هؤلآء حفّاظ الدّين وأمناء أبي على حلال الله وحرامه وهم السّابقون إلينا في الدنيا والسّابقون إلينا في الآخرة. (٥) |
وهذان الخبران يدلّان على مرتبة عظيمة للرجل فوق مرتبة الوثاقة بمراتب كثيرة ، بل فوق مرتبة العدالة أيضا ، ويؤيدهما جملة من الرّوايات المادحة الاخرى بأسناد ضعيفة (٦) ، ولم يقدح
__________________
دينه ، بل يمكن أن نجعل هذا الكلام دليلا على بطلان نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري. وعلى كلّ لم يصحّ شيء من الاخبار الذامة الواردة في حقّه ، بل بعضها ضعيفة دلالة وسندا وبعضها غير وارد في حقّه.
(١) خلاصة الأقوال : ١٢٦.
(٢) رجال الكشي : ١٥٢.
(٣) ما أحد ـ خ.
(٤) ويظهر من المعجم أنّه وقع في أسانيد قريب من ٢٠٠ رواية بعناوينه المختلفة ، فلم تصل جميع رواياته إلينا.
فإنّ نقل هذه الكمية بملاحظة الروايتين المذكورتين ، قليلة.
(٥) رجال الكشي : ١٢٤ و ١٢٥. والعجب أنّ أحاديث ليث لم تصل كلّها إلينا فإنّ ما روي عنه في الكتب الأربعة يبلغ زهاء ستين حديثا ، ولم أتفحص عن أحاديثه في غير الكتب الأربعة ، نعم المكّنى بأبي بصير وقع في أسانيد ٢٥٠٠ رواية ، كما في معجم الرجال ، وهي كلّا أو قسما مشتركة بين ليث ويحيي.
(٦) انظر : معجم الرجال : ١٥ ، ترجمة ليث ، الطبعة الخامسة.