فلاحظ ما حكى عن أحمد بن محمّد بن عيسى من إخراجه البرقي من قمّ ؛ لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل ، فلو كان هذا المقدار كافيا في البناء على وثاقة الرّاوي لم يبق لنا راو إلّا وهو ثقة إلّا نادرا.
نعم ، الرّواية عن شخص تدلّ على الوثوق بروايته ، لكن ذلك قد لا يوجب الوثوق لغيره.
وبذلك اتّضح الفرق بين الشّهادة بوثاقة الرّاوي والرواية عنه فتكفي الأولى في قبول خبره ولا تكفي الثانية في قبوله ، فضلا عن إثبات وثاقة الرّاوي في نفسه ؛ لأنّ الظاهر في الأوّلى الاستناد إلى الحسّ أو ما يقرب منه ، فيكون حجّة ولا يظهر من الثانية ذلك ؛ ولذلك نجد أكثر الرّوايات الضعيفة غير مقبولة عند الأصحاب وفي سندها الثقات والأجلّاء ، لعدم حصول الوثوق لهم من مجرّد ذلك ، لاحتمال كون وثوق رجال السند حاصلا من مقدّمات بعيدة يكثر فيها الخطأ.
ومن ذلك يظهر الإشكال في إثبات وثاقة زيد النرسي برواية جماعة من الأجلاء لكتابه ، كما قيل.
ومثله في الإشكال : ما قيل من أنّ محمّد بن أبي عمير من أصحاب الإجماع ، والمعروف بينهم أنّ المراد به الإجماع على قبول الرّواية ، إذا كان أحدهم في سندها وإن رواها بواسطة المجهول ، كما يدلّ على ذلك عبارة العدّة المتقدّمة ، فإنّ المراد من غيرهم من الثقات ما يشمل أصحاب الإجماع قطعا ؛ ولأجلها يضعّف إحتمال أنّ المراد من الإجماع المتقدّم صحّة روايتهم فقط.
وعلى هذا فرواية النرسي يجب العمل بها ، لرواية محمّد بن أبي عمير إيّاها وإن لم تثبت وثاقة النرسي.
وجه الإشكال : أنّ الإجماع المذكور وإن حكاه الكشّي رحمهالله وتلقاه من بعده بالقبول ، لكن ثبوته وحجّيته بهذا المقدار محلّ تأمّل.
كيف وجماعة من الأكابر توقّفوا عن العمل بمراسيل ابن أبي عمير؟
وأمّا غيره من أصحاب الإجماع ، فلم يعرف القول بالاعتماد على مراسيله ، حتّى استشكل بعضهم في وجه الفرق بينه وبين غيره في ذلك.
وما ذكره الشّيخ رحمهالله في عبارته المتقدّمة غير ظاهر عندهم. وأيضا فإنّ الظاهر أنّ الوجه في الإجماع المذكور ما علم من حال الجماعة من مزيد التثبت والاتقان والضبط ، بنحو لا