وثالثا : لو سلّمنا أنّ نسبة الكتب إلى أربابها قطعية في الجملة ، لسئلنا ما المؤمّن من احتمال زيادة النسخ ونقيصتها؟ إذ لم تكن الطباعة الحديثة رائجة في تلك الأزمان ؛ لتكون النسخ كلّها على وتيرة واحدة ، فإثبات تمام ما في الكتاب محتاج إلى النقل المسند ؛ ولأجله ذكر طرقه في المشيخة.
وبعد ذلك وقفت على كلام للسيّد بحر العلوم رحمهالله ، حيث قال (١) : ذهب جماعة من المتأخّرين إلى عدم الحاجة إلى الطريق فيما روي بصورة التعليق من أحاديث الكتب الثّلاثة : الفقيه ، التهذيب ، الاستبصار لما قاله الصدوق في أوّل كتابه أنّ جميع ما فيه مستخرج من كتب مشهورة عليها المعوّل ، وإليها المرجع ، وما صرّح به الشّيخ في المشيخة من أنّ ما أورده بحذف الأسناد إلى أصحاب الاصول والكتب قد أخذه من أصولهم وكتبهم. ففي التهذيب : واقتصرنا من إيراد الخبر على الابتداء بذكر المصنف الّذي أخذنا الخبر من كتابه ، أو صاحب الأصل الّذي أخذنا الحديث من أصله.
وعلى هذا فلا يضرّ الجهل بالطريق ولا اشتماله على مجهول ، أو ضعيف ؛ لأنّ الاعتماد على نقل الشّيخين لهذه الإخبار من تلك الأصول والكتب ، وقد كانت مشهورة معروفة في تلك الأعصار متواترة النسبة إلى أصحابها عندهما ، كاشتهار كتبهما وتواترها عندنا و ...
ولذا لم يتعرّض الشّيخ في مقام الطعن في السند لرجال الواسطة ، ولو كانوا من الرّواة لتعرّض لهم في بعض الأحيان.
ثمّ قال في ردّ هذا القول : ويضعّف هذا القول إطباق المحققين من أصحابنا والمحصلّين منهم على اعتبار الواسطة والاعتناء بها ، وضبط المشيخة وتحقيق الحال فيها والبحث عما يصحّ وما لا يصحّ منها ، وقدحهم في السند بالاشتمال على ضعيف أو مجهول ... ومقتضى كلام الشّيخين في الكتب الثّلاثة الفقيه والتهذيبين ، أنّ الباعث على حذف الوسائط قصد الاختصار مع حصول الغرض بوضع المشيخة لا عدم الحاجة إليها كما قيل ، وإلّا لما احتيج إلى الاعتذار عن الترك ، بل كان الذكر هو المحتاج إلى العذر فإنّه تكلّف أمر مستغنى عنه على هذا التقدير.
__________________
(١) خاتمة رجاله في ضمن الفوائد الرجاليّة : ٤ / ٧٦.