عليها ، وهذا واضح. وهل يمكن العكس بأن نجعل قبول الأصحاب أخبار أحد دليلا على وثاقته أو صدقه؟
والصحيح هو : التفصيل بين قبول بعض رواياته وقبول جميع رواياته ، فعلى الأوّل لا يثبت صدق الرّاوي ، ضرورة أن قبول رواية أحد في مورد لدليل خاصّ ، فلا يدلّ على صدقه مطلقا كما أشرنا إليه فيما سبق ؛ إذ كلّ كاذب قد يصدق ، ولا يوجد كاذب لم يصدق في قول قطّ.
وعلى الثّاني يثبت صدقه بلا إشكال ، فإنّ الاعتماد على جميع روايات أحد وقبولها لا يحتمل أنّه لأجل قرينة خاصّة في كلّ مورد ، فلا محالة يستند إلى عدالته أو صدقه وحدها.
نعم ، إذا فرضنا إنّ رواياته المقبولة عند الأصحاب أو المشهور منهم معدودة جدّا ، بحيث يمكن استناد قبولها والاعتماد عليها إلى غير صدق الرّاوي ، فهو داخل في الشقّ الأوّل.
والسّؤال الأخير : إنّ الإعتماد على كتاب مؤلّف قلّت أخباره أو كثرت ، هل هو دليل على صدقه في القول أم لا؟
يقول الشّيخ الطّوسي في أوّل فهرسته : إنّ كثيرا من المصنّفين وأصحاب الاصول كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة ، وإن كانت كتبهم معتمدة.
فمن هؤلآء : إبراهيم بن إسحاق الأحمري ، فقد ضعّفوه ، لكن قال الشّيخ في حقّه : كان ضعيفا في حديثه متّهما في دينه ، وصنّف كتبا جماعة قريبة من السّداد. (١)
ومنهم : حفص بن غياث القاضي وطلحة بن زيد ، حيث وصف الشّيخ كلّ واحد بأنّه عامّي المذهب إلّا أنّ كتابه معتمد.
أقول : إن كانت مطالب الكتاب أو معظمها مشتملة على الآراء والأنظار (٢) ، فالاعتماد عليها لا يكشف عن الوثاقة أو الصدق ، بل إنّما يحكي عن جودة الاستنباط والعلم والدّقة ، وإن كانت مشتملة على الرّوايات والأحاديث ، فلعلّ الاعتماد عليها لمطابقتها مع سائر الكتب الأخباريّة ، أو مع الأحكام العقليّة ، كما في المطالب الأخلاقيّة ونحوها. وبالجملة لأجل القرائن المضمونية دون الصّدوريّة.
فإنّ قلت : لا أثر للبحث حول عدالة مؤلّف الكتاب وصدقه بعد اعتبار الكتاب.
__________________
(١) الفهرست : ٨.
(٢) وهذا الاحتمال هو الأرجح في كتب الأحمري ؛ إذ ضعفه في حديثه واتهامه في دينه لا يناسب سداد أحاديثه المودعة في كتبه.