وبالجملة : دعوى الاطمئنان الشّخصي خلاف الوجدان ، إلّا لمن كان اعتقاده في حقّ هؤلآء الأعاظم مفرطا ، كما رأينا بعض المجتهدين (١). فهو يدّعي القطع بوثاقة من وثقه الشّيخ الطّوسي ، ولكنّه من النّوادر. وكأنّ الفاضل المامقاني أيضا عدل عن قوله هذا في أثناء كتابه ، فيدّعي كثيرا أنّ الظّنون الرّجاليّة حجّة ، ولا يدّعي الاطمئنان ، ولكن الظّنون الرّجاليّة كغيرها داخلة تحت عموم المنع من غير مخصّص ، والإجماع المدّعى على حجيّته ضعيف جدّا.
فالصّحيح : أنّ حصول الاطمئنان الفعلي في حجيّة قول الرّجالي غير لازم ، ولا حاصل غالبا والظّن ـ إن حصل ـ غير حجّة وما تخيّله من تشكيل مقدّمات الانسداد في علم الرجال وأحوال الرّواة ، فاستنتج منها حجيّة الظّن ، ضعيف ، كما تعرف من بيان القول المختار.
وعلى تقدير سلامتها لا تنتج شيئا لما تقرّر في أصول الفقه من أنّ المناط في حجيّة الظّن هو جريان مقدّمات الانسداد في علم الفقه ، فيعمل بالظّن حينئذ في علم الرجال وغيره ، من مقدّمات الفقه. ولو كان باب العلم مفتوحا فيها غالبا ، وإلّا فلا عبرة بالظّن الرّجالي واللّغوي وغيرهما ، بل يرجع إلى الأصول المقرّرة للشّاك في مرحلة العمل ، على أنّ نتيجة مقدّمات الانسداد هو التبعيض في الاحتياط كما أوضحه الشّيخ الأنصاري رحمهالله.
وأمّا القول بحجيّة أخبار أهل الرّجال من باب الشّهادة ، فضعيف جدّا ؛ لعدم وجود شرائط الشّهود في المعدلين والجارحين ، ولو قيل : باعتبارها فيهم لبطل أكثر علم الرّجال أو كلّه. وبالجملة : الإجماع على اعتبار إيمان الشّاهد في الشّهادة ، والاتّفاق على قبول قول عدّة من غير المؤمنين في علم الرجال يوجب الاتّفاق على عدم دخول التّعديل والجرح في الشّهادة فافهم. (٢)
__________________
(١) أعين : الشّيخ الورع الحسين الحلّي رحمهالله. وكان يدرس الفقه والاصول في مقبرة أستاذه الأصولي الشّهير المحقّق النائيني رحمهالله في النجف الاشرف ، وبالغ في ذلك المحدّث الحرّ العاملي رحمهالله ، حيث قال : وأمّا توثيق الرّاوي الّذي يوثّقه بعض علماء الرجال الأجلاء الثّقات ، فكثيرا ما يفيد القطع مع اتّحاد المزكي لانضمام القرائن الّتي يعرفها الماهر المتتبّع. انظر : الوسائل : ٢٠ / ١١٥.
وليته أضاف وصف العالم بالغيب بعد صفة المتتبّع حتّى يصحّ كلامه.
(٢) قال الشّهيد الثّاني : وفي الاكتفاء بتزكيّة الواحد العدل في الرّواية قول مشهور لنا ولمخالفينا ، كما يكتفي بالواحد في أصل الرّواية ، وهذه التزكية فرع الرّواية فكلّما (فكماظ) لا يعتبر العدد في الأصل ، فكذا في الفرع ، وذهب بعضهم إلى اعتبار اثنين كما في الجرح ، والتّعديل في الشّهادات. انظر : الدّراية : ٦٩.
وقال : يثبت الجرح في الرّواة بقول واحد ، كتعديله. على المذهب الأشهر ... انظر : المصدر : ٧٢.