الثّاني : في صحّة القول المختار.
أمّا المقام الأوّل ، فنقول : أمّا الرّأي الأخير من أن اعتبار أقوال علماء الرجال من جهة إيراثها الاطمئنان ، ففيه إشكال من جهتين :
الأوّل : إنّ الاطمئنان وإن كان كالقطع في الحجيّة ، فإنّه طريق عقلائي في كافة جهاتهم ، حتّى في أمثال النفوس والفروج ، والأموال الخطيرة. ومن الظّاهر اتّصال هذا البناء بزمان صاحب الشّريعة صلىاللهعليهوآله ، بل بزمان من قبله ، بل لا يبعد تحقّقه في زمان آدم عليهالسلام وشارع الإسلام عليهالسلام لم ينه عن هذا البناء ولو برواية ضعيفة سندا ، فهو عنده أيضا معتبر.
ودعوى ردعه بالآيات والرّوايات النّاهية عن اتّباع غير العلم ، والعمل بالظّن ضعيفة جدّا ، فإنّ الاطمئنان عند العرف علم ومبائن للظنّ ، وإن كان بالنّظر العقلي نوعا منه ، وعلى كلّ حال فمناقشة جملة من الأكابر منهم سيّدنا الأستاذ الحكيم رحمهالله في حجيّة الاطمئنان في غير محلّه ، بل خلاف عملهم اليومي. بل في مستمسكه (١) ما يدلّ على موافقته للمختار ورجوعه عمّا ذكره في عدم حجيّة الاطمئنان.
إذا : فلا شكّ في أنّ الاطمئنان طريق عقلائي شرعي في إثبات الأحكام الشّرعيّة ، لكن ليس معنى ذلك هو أنّ الأحكام الشّرعيّة والموضوعات المستنبطة والموضوعات الخارجيّة الصّرفة ، الّتي تترتّب عليها الأحكام الجزئيّة أو الكليّة لا يثبت شيء منها ، إلّا بالإطمئنان ، كما يظهر من كلام المامقاني ، فإنّه كلام بلا دليل ، بل هو مقطوع البطلان عند الفقيه.
نعم ، لا شكّ في أن حجيّة الأمارات والأصول والطّرق تنتهي بالأخرة إلى القطع أو الاطمئنان ، دفعا للدور والتّسلسل ، لكن الأحكام ومبانيها منها ما هو مظنون الثبوت ، ومنها : ما هو معلوم الثبوت. ومنها : ـ وهو الأكثر ـ ما هو ثابت تعبّدا ، بل ربّما يكون مرجوح الثبوت ، كما في بعض ما يستصحب.
الثّاني : إنّ قول الرجاليّين بالمدح أو الذّم لا يفيد الاطمئنان الفعلى ، كما يظهر لمن راجع أقوالهم ، ولا سيّما مع بعد الزّمان بينهم وبين الرّواة. فقد تأخّر زمان الكشّي والنجّاشي والشّيخ وأضرابهم ، من أقطاب الجرح والتعديل أكثر من قرنين عن زمان جملة من الرّواة ، فكيف يحصل الاطمئنان بأقوالهم؟
__________________
(١) مستمسك العروة الوثقى : ٧ / ٢٠٦.