وعن الشّهيد الثّاني وصاحبي المعالم والمدارك وغيرهم ممّن قال بالصّحيح الأعلى إنّها من باب الشّهادة ، فيعتبر فيه : العدالة والتّعدد (١) ، واللّفظ والحياة ، وسائر شروط الشّاهد.
وهذا هو المنسوب إلى المحقّق الحلّي وجماعة من الأصوليّين.
وفي رسالة الشّيخ الأنصاري في العدالة ، المطبوعة مع المكاسب (٢) : مع ذهاب أكثرهم إلى أنّ التعديلات من باب الشّهادة ، والله العالم.
وعن صاحب الفصول وجمع : أنّه من باب الفتوى والظّنون الاجتهاديّة المعتبرة بعد انسداد باب العلم وما هو بمنزلته ، فيعتبر فيهم شروط المفتي. وعن بعضهم وإن لم يعلم قائله ـ إنّه من باب قول أهل الخبرة ـ فلا بدّ من إحراز كون الرّجاليّ من أهل خبرة.
وذهب الفاضل المامقاني في تنقيح المقال (٣) : إنّها نوع تثبت وتبيّن مورث للاطمئنان الّذي هو المدار والمرجع في تحصيل الأحكام الشّرعيّة من باب بناء العقلاء على الاعتماد عليه ، وإن كان يظهر منه أخيرا أنّه من باب قول أهل الخبرة.
وقال : وأوضح شاهد على عدم كون الرّجوع إلى إخبارات أهل الرّجال من باب الشّهادة والفتوى اعتمادهم في جملة من أحوال الرجال على من لا يعتمد على فتواه ولا شهادته كبني فضّال الممنوع من قبول آرائهم ؛ لفقد بعض شروط المفتي ، وهو كونه إماميّا فيهم والمجوز فيهم للأخذ بما رووا.
وحيث إنّه قد أخذ في الخبر الابتناء على الحسّ المحض ، وإخبار أهل الرّجال إخبار بأمر غير حسّي ضرورة عدم تعقل محسوسيّة العدالة تعيّن كون قبول إخباراتهم من باب الأخذ بقول أهل الخبرة المأخوذ في اعتباره الوثوق ، ولا يضرّ عدم قائل به بعد قضاء الدّليل به ، فتدبّر جيّدا. (٤)
أقول : الصّحيح ما نسب إلى المشهور ، فهنا مقامان :
الأوّل : في إبطال سائر الأقوال.
__________________
(١) انظر : معالم الدين : ٢٠٤. حيث يدّعي أنّ تزكية الرّاوي شهادة ، ومن شأنها اعتبار العدد فيها.
وظاهر الشّهيد الثّاني الاكتفاء بمزك واحد.
(٢) المكاسب للشيخ الأنصاري : ٣٢٦ ، بل نسبه إلى المشهور ـ كما سيأتي عن قريب.
(٣) تنقيح المقال : ١ / ١٨٢ ، بعد نقل الأقوال المتقدّمة.
(٤) ظاهر هذا الكلام : إنّه يميل إلى هذا القول أو يختاره بدلا عن مختاره الأوّل. وقال في محلّ آخر : أو من باب مطلق الظّن في الرّجال كما ادّعوا الإجماع عليه ، وعلّلوه بانسداد باب العلم فيه. انظر : تنقيح المقال : ٢٠٤ ، المقدّمة.