وعلى هذا إذا كان الرّجالي ثقة أي صادقا مأمونا وجب قبول قوله في الجرح والتعديل وفي بيان الاسم والكنيّة والطبقة والقبيلة وغير ذلك ممّا يرجع إلى حالات الراوي.
هذا ولكن المنسوب إلى المشهور عدم حجيّة خبر العادل في الموضوعات الخارجيّة إلّا ما خرج بالدليل وذلك لأجل رواية مسعدة بن صدقة الرادعة عن العمل فيها إلّا بالعلم والبيّنة.
وهي ما رواه الشّائخ الثّلاثة كلّهم عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليهالسلام : كلّ شيء هو لك حلال حتّى تعلم انّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة والمملوك عندك لعله حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا ، أو امرأة تحتك وهي أختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتّى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنة. (١)
فذيل الرّواية يجعل العلم والبيّنة غايتين فقط ، فلا يكون خبر الثّقة حجّة في الموضوعات. لكن الرّواية لا تصلح للردع عن بناء العقلاء المذكور من وجوه :
أوّلا : من جهة جهالة مسعدة بن صدقة فإنّه لم يرد فيه مدح معتبر يوجب حسنه فضلا عن وثاقته (٢) وما ذكره المجلسي الأوّل رحمهالله في وجه توثيقه اجتهاد منه وهو ضعيف ولذا ضعفه جمع منهم ابنه العلّامة المجلسي في الوجيزة كما قيل ، فالرّواية ساقطة ولا نقول بانجبارها بالشّهرة إن ثبتت. (٣)
وثانيا : إنّه ليس للرواية ظهور قوي في الحصر ، نعم ، صريح الرّواية الاختصار على الأمرين المذكورين ، لكن هذا لا ينافي حجيّة غيرهما بدليل آخر كالاستصحاب واليد والإقرار والحلف ، فيكون خبر الثّقة أيضا حجّة بالسّيرة المذكورة ، ولا معنى للردع أصلا.
__________________
(١) الوسائل : ١٢ / ٦٠ ط : الحديثة.
(٢) وقيل : باتحاده مع مسعدة بن زياد الثّقة كما في حاشية الموسوعة الرجالية المجلد الأوّل ، وقد أقام بعضهم عليه قرائن ، لكنّها غير ثابتة. ولا حظ تفصيله وبيان شواهده في مجلة تراثنا : ٢٠٣ ـ ٢٢٩ ، عدد ٥٣ ـ عام ١٤١٩.
(٣) ومن هنا نطالب القائلين باعتبار البيّنه على تعديل الراوى بعموم حجيّة البيّنة ؛ إذ لعلّ عمدة الدّليل عليه هي رواية مسعدة الّتي عرفت ضعفها.
وأمّا الإجماع المدعي في لسان صاحب الفصول وغيره عليه ، فهو منقول غير معتبر.