وقيل : إنّ النجّاشي يعتمد في توثيق شخص أو تضعيفه على مشايخه ، كما يظهر من كتابه في خلال تراجمه كابن الغضائري ، والكشي ، وابن عقدة وابن نوح ، وابن بابويه وأبي المفضل وغيرهم ، وكذلك عن كتب جمّة ، وقد أحصيناها فبلغت أكثر من عشرين كتابا ، كرجال أبي العبّاس ، وابن فضّال والعقيقي ، والطبقات لسعد بن عبد الله ، والفهرست لأبي عبد الله الحسين بن الحسن بن بابويه ، ومحمّد بن زياد ، ولا بن النديم ، ولا بن بطّة ، ولا بن الوليد ، ولغيرهم. (١)
ثمّ إنّك عرفت أنّ بناء العقلاء إنّما هو على اعتبار الإخبار الحسيّ أو الحدسي المدلول عليه بالآثار الظّاهرة الواضحة القطعية الحسيّة ، وشيء منهما غير حاصل في المقام فإنّ الصدق وآثاره الحسيّة ، وكذا آثار العدالة الحسيّة غير قريبة من إحساس هؤلآء الأعاظم ، لما بين الرّاوي والمخبر من الفصل البعيد الزماني ؛ ولذا يختلف آراء الرجاليّين في حقّ جملة من الرّواة. وقد مرّ أنّ جملة كثيرة من تلك الأمارات مزيفة باطلة ، وهذا فليكن واضحا ، ولذا لا بدّ من معرفة الوسائط ووثاقتهم. وقد رأيت في ما قيل من مدارك النجّاشي أنّ بعضهم مجهول ، كالعقيقي وابن النديم مثلا ، وأمّا استناد السّيد الأستاذ قدسسره إلى أصالة الحسّ ، فيما يدور الإخبار بينه وبين الحدس في كلّ توثيق ، فهو صحيح ، لكنّها أجنبيّة عن المقام ، فإنّها تثبت حسّية الإخبار لا وثاقة المخبر. فإذا علمنا ولو تعبدا وثاقة نقلة التّوثيق وشككنا في صدور التّوثيقات عن حسّ أو حدس فالإصالة المذكورة تنفعنا كما في المسندات.
وأمّا إذا جهل وثاقة النقلة المحذوفة أسمائها ، كما في المقام أو ذكرت اسماءهم ، فلا أصل يثبت وثاقتهم إلّا بناء على أصالة العدالة ، أو أصالة الأمانة القوليّة في كلّ مسلم ، أو مؤمن ولا نقول بها.
لا يقال : النقلة الوسائط بين الموثّق والموثّق إن كانوا ثقات ، فقد ثبت المطلوب وإن كانوا مجهولين أو ضعفاء ، فاعتماد الموثق عليه يرجع إلى إعمال نوع من الحدس ، والأصل المذكور يدفعه ، فأصالة البناء على الحسّ تنفعنا في المقام.
قلت أصالة البناء المذكورة لم تثبت ببرهان عقلي ولا بدليل لفظي من آية أو رواية ، حتّى يتمسك بها في كلّ مورد ، بل هي دليل لبّي غير ثابت في المقام ، فارجع إلى العقلاء ، فانظر إلى بنائهم فهل يثبتون وثاقة مئات من المجهولين والمحتملون كذبا بهذا الأصل ، وبهذا
__________________
(١) أصول علم الرجال : ٢٦.