البيان؟ ولا أقلّ من الشّك في مثل هذا البناء ، واللبّي يؤخذ بالقدر المسلّم والمتيقّن ، على أنّه منقوض بالرّوايات المرسلة ، إذ لا قائل باعتبارها مطلقا وبلا استثناء ، مع أنّ البيان المذكور جار فيها حرفا بحرف.
وهنا طريق آخر ذكره بعض الأعلام السّادة من المعاصرين حين المذاكرة معه في الحضرة العلويّة (١) ، وهو : إنّ احتمال التواتر في الرّوايات المرسلة غير متحقّق ؛ إذ طريق المصنفين إلى أرباب الكتب أو الأصول أو الرّواة معلومة معينة محدودة غالبا (٢) ، فلا تكون المرسلات حجّة. وهذا بخلاف التّوثيقات الصادرة من علماء الرجال للرواة ، فإنّ احتمال وصول وثاقة الرّواة إلى الشّيخ والنجّاشي وأمثالهما بنحو التواتر ، بلا مانع.
وعليه فنقول : الظاهر هو البناء على التواتر ، لما ثبت عند العقلاء أنّه لو دار الأمر بين كون خبر المخبر عن حسّه أو حدسه ، يبنى على أنّه عن الحسّ ، وفي المقام إذا قلنا بالتواتر المزبور يكون التّوثيق حسيّا ، بخلاف ما إذا أنكرنا التواتر فإنّ الشّيخ مثلا قبل توثيقه لأحد لا بدّ له من تطبيق صدق العادل على جميع نقلة هذا التّوثيق ، وهذا التطبيق ـ أي : تطبيق الكبرى على المفيد وغيره من نقلة الثقات ـ حدسي ليس بحسّي.
أقول : هذا كلامه وكان يصّر عليه ، ولكن يفسده امور :
أوّلا : إنّ لازمه حجيّة التّوثيق المرسل دون المسند بذكر الرّواة الثّقات بتقريب أنّ الوثاقة حينئذ حدسيّة ناشئة من تطبيق صدق العادل على النقلة ، وهو كما ترى.
وثانيا : عدم احتمال التواتر في جميع التّوثيقات كما يظهر من التّوثيقات المسندة في كلام النجّاشي والكشّي وغيرهما ، بل لم أجد موردا ثبتت الوثاقة بالتواتر المصطلح فيه ، بل لا أذكر عاجلا موردا ادّعي المعدل فيه القطع بوثاقة أحد. فتأمّل.
كيف ، ولو كانت التّوثيقات متواترة لما وقع الخلاف بين الشّيخ والنجّاشي وغيرهما من أرباب الرجال في التّوثيق والتضعيف ، بل ربّما كان للشيخ مثلا قولان في راو واحد على ما مرّ.
__________________
(١) وهو العلّامة الجليل السّيد على السيستاني (طال عمره) الّذي هو اليوم أحد مراجع التقليد بعد وفاة السّيد الخوئي رحمهالله ، ثمّ إنّي لقيته بعد ١٧ سنة من ذاك اللقاء سنة ١٤١٤ ه / ١٣٧٣ ش ، في النجف الأشرف ، فقلت له : هل عندك شيء جديد في هذا المقام؟ فلم يكن عنده شيء غير ما قاله سابقا.
(٢) ولا يحتمل أن يكون للصدوق ، مثلا ـ إذا أرسل حديثا ـ طريق متواتر لم يصل إلى غيره من علماء الحديث ، كالكليني والطّوسي ، مثلا.