أقول : هذا الّذي خطر ببالي مجرّد حسن ظنّ بهؤلآء العلماء قدسسرهم فإنّ أوجب الاطمئنان لأحد ، فله الاعتماد على التّوثيقات الموجودة ، وإلّا فلا.
والأصل في هذا الترديد إنّ إحراز وثاقة ناقلي التّوثيقات غير واضح السبيل ؛ ولذا قد يختلف كلام الشّيخ رحمهالله في وثاقة أحد أو ضعفه ، كما في حقّ سهل بن زياد. وترى الشّيخ يضعف سالم بن مكرم بن عبد الله أبا خديجة ، في حين أن النجّاشي يقول في حقّه : ثقة ، ثقة. (١) فيعلم من هذا وأمثاله أنّ لكلّ معدل ورجالي أصولا خاصّة يبني عليها الجرح والتّوثيق. (٢)
وبعبارة أخرى : إنّ التّوثيقات والتحسينات على قسمين :
قسم منها : مستند إلى نقل سابق عن سابق حتّى ينتهي إلى الناقل المعاصر للراوي المقول فيه ، والظّاهر إنّ هذا القسم هو الأكثر. (٣)
وقسم منها : مستند إلى الحدس والأمارات الاجتهاديّة على ما تقدّم أكثرها.
ثمّ إنّ وثاقة نقلة الوثاقة والصّدق أيضا قد تستند إلى النّقل ، وقد تستند إلى الحدس وهكذا.
وهذا القسم ـ أي : حدسيّة التّوثيق والتّحسين ـ هو الأقل ، وحيث إنّ حدس الموثّق والمحسّن ليس بحجّة لنا ، بل ثبت بطلانه في أغلب موارده فيما مرّ ، يسقط جميع التّوثيقات والتحسينات عن الاعتبار ضرورة عدم تمييز بين التّوثيقات الحسيّة والحدسية وخلط الحجّة باللاحجّة.
فإن قلت : ظاهر كلام النجّاشي والشّيخ السّابق استناد جميع التّوثيقات إلى الحسّ ، لا إلى الحدس.
قلت : أوّلا : نمنع ظهوره في العموم والاستيعاب ، بل المتيقن منه أو المظنون قويا من الخارج استناد أكثرها إلى الحسّ كما قلنا ، فيسقط الجميع عن الاعتبار لما عرفت. على أنّ بناء العقلاء على الحسّ فيما يدور الإخبار بينه وبين الحدس ، في المقام ، أي : ما يكون الفصل بين المخبر والمقول فيه بمائة سنة مثلا ، ممنوع ولا دليل عليه ، والدليل اللّبىّ يؤخذ بالمتيقّن منه.
وثانيا : إنّ قبلنا ذلك في توثيقات النجّاشي رحمهالله ، فلا نقبله في توثيقات الشّيخ قدسسره ؛ إذ من
__________________
(١) بل نقل عن الشّيخ أيضا توثيقه ونقل عن ابن فضّال في حقّه أنّه صالح لا ثقة.
(٢) يقول النجّاشي في حقّ الكشي : كان ثقة عينا ، وروى عن الضعفاء كثيرا. ويعتقد الشّيخ الطّوسي وثاقة كلّ من روي عنه أصحاب الإجماع ، كما يأتي بيانه في البحث الحادي عشر والبحث الحادي والعشرين ، ونحن لا نقول بها.
وعلى هذا يقوي الإشكال في توثيقات الشّيخ لتطرّق الظّنون الاجتهاديّة في توثيقاته في حقّ من ثبت رواية أحد هؤلآء عنه.
(٣) وقد مرّ أنّ أصالة البناء على الحسّ تثبت حسّية النقل ، ولا تثبت وثاقة الناقلين.