أو حسنهم نأخذ به وإلّا نتركه ؛ لأجل الإرسال. وحيث إنّ معظم التّوثيقات مرسلة غير مسندة لا اعتبار بها ، وإن كانت حسّية مسموعة عمّن تقدمهما ، وهذا هو الإشكال الصعب المهمّ.
٢. الشّيخ الطّوسي رحمهالله مجتهد بتمام معنى الكلمة فمن أين نطمئن بأنّه لم يعمل حدسه في توثيقاته وتضعيفاته؟ والاستمداد من أصالة الحمل على الحسّي عند دوران الأمر بين الحسيّ والحدسي ، حتّى يثبت كونه حدسيّا في المقام مقرون بالصعوبة بعد الظفر على كلمات للشيخ رحمهالله تشهد بإمكان استفادته من اجتهاده وحدسه في مسائل علم الرجال. وقد صرّح بأنّ ابن أبي عمير وصفوان والبزنطي وغيرهم ـ أي : أصحاب الإجماع كلّهم ـ لا يروون ولا يرسلون إلّا عن ثقة.
وهذا أمر حدسي ظاهرا ، نعم ، احتمال عدم الحدس في حقّ النجّاشي محدود ، فإنّه ليس كالشّيخ في سعة علومه واجتهاده ـ إنّ ثبت ـ مع إنّا لم نجد في كتابه ما يدلّ على إعمال حدسه ، لكن يحتمل ، في حقّه وحقّ الشّيخ ـ صدور التّضعيف والتّوثيق بملاحظة روايات الرجال ، وهذا يمكن إقامة بعض الشّواهد في فهرستيهما عليه.
واعلم أنّ الإخبار عن شيء ، تارة يكون عن حسّ ومشاهدة ، وأخرى عن أمر محسوس مع احتمال استناده إلى الحدس دون الحس.
وثالثة : عن حدس قريب من الحس.
ورابعة : عن حدس ناشئا عن سبب كانت الملازمة بينه وبين المخبر به تامّة عند المنقول إليه ، بحيث لو فرض إطلاعه على ذلك السبب لقطع بالمخبر به ، كما في بعض الإجماعات المنقولة.
وخامسة : عن حدس ناشئا من سبب لم تحرّز الملازمة بينه وبينه عند المنقول إليه.
فالأوّل حجّة إذا كان المخبر ثقة صادقا ، والثّاني مثله ، إذ بعد كون المخبر به من الأمور المحسوسة فظاهر الحال يدلّ على أنّ الإخبار به عن حسّ دون حدس. وكذا الثالث إذ احتمال الخطأ في الأمور القريبة من الحسّ بعيد موهون عند العقلاء. وكذا الرابع فإنّه إخبار عن أمر حسيّ وهو السّبب. والاعتماد على المسبّب لأجل تماميّة الملازمة عند المنقول إليه .. وأمّا الخامس ، فهو غير حجّة إلّا بدلالة دليل كما في حجيّه الفتوى ، ثمّ الأظهر إثبات الأمور الحدسيّة النظريّة المترتبّة عليها الأحكام الشّرعيّة ، كما في تقويم الأمتعة ، مثلا : بقول واحد ثقة من أهل الخبرة ولا يتوقف على العدالة والتّعدد ؛ وذلك لبناء العقلاء على ذلك كما في مراجعة المرضى وغيرهم إلى الأطباء والمهندسين ، وغيرهما في جميع ما يحتاجون إليه.