فإنّ قلت : إذا لم يثبت وثاقة الصّحابة ، فكيف نثبت السنّة ، وفوق ذلك القرآن المجيد حيث وصل إلينا من طريقهم؟
قلت : أمّا القرآن فقد وصل إلينا بالضّرورة ، وهي فوق التواتر الّذي اتّفق علماء المنطق والأصول على عدم اعتبار الصّدق في كلّ واحد من نقلته ، فعلمنا بالقرآن كعلمنا بافلاطون وحاتم وأنوشيروان ، وكعلمنا بواشنطن وباريس ، وأمثال ذلك. على أنّ حفظ القرآن لجميع الأجيال والأعصار لا يرجع إلى عدالة الصّحابة ، بل إلى عناية الله تعالى ، حيث قال : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ.) فتأمّل.
أمّا السنّة فيثبت بقول صادقيهم ، فإنّا لم ندع كذب الجميع ، فإنّه غير معقول ثبوتا والدّليل على خلافه إثباتا كما مرّ.
والمتحصّل إنّ كلّ صحابي لا بدّ في إثبات وثاقته وعدالته من إقامة الدّليل ، ولا أصل لأصالة العدالة ، والصّدق في غير الأوّلين السّابقين منهم إلى الإيمان أو الإسلام ، أو بإضافة طائفة أخرى معهم ، لا سيّما أنّ القرآن يخبر عن وجود الكاذبين والمنافقين فيهم.
والسنّة كما في صحيح البخاري وغيره ـ تدلّ على ارتداد جمع من الصّحابة بعد النّبيّ صلىاللهعليهوآله وأنّهم لا يردون الحوض على النّبيّ صلىاللهعليهوآله يوم القيامة.
والتّأريخ يحكي عن سوء أفعال بعضهم ما يسلب الاعتماد عنهم. (وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي ...) وأمّا ما في صحيح منصور بن حازم عن الصّادق عليهالسلام ... [قلت :] فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآله صدقوا أم كذبوا؟ قال عليهالسلام : «بل صدقوا». قلت : فما بالهم اختلفوا؟ فقال عليهالسلام : «أمّا تعلم أنّ الرجل كان يأتي رسول الله صلىاللهعليهوآله يسأله عن المسألة ـ فيجيب فيها بالجواب ثمّ يجيبه بعد ذلك ما ينسخ ذلك الجواب ، فنسخت الأحاديث بعضها بعضا». (١)
فالظّاهر نظارة الكلام إلى مجموع الأصحاب من حيث المجموع في مجموع رواياتهم ، أي : لم يكذب جميعهم في جميع رواياتهم ، وأنّ الرّوايات المختلفة ليست كلّها مكذوبة ، فلا دلالة للرّواية على صدق كلّ فرد في جميع أقواله.
__________________
(١) أصول الكافي : ١ / ٦٥.