أخبرنا عليّ بن أبي عليّ ، حدّثنا محمّد بن العبّاس الخزاز ، حدّثنا أبو بكر محمّد ابن القاسم الأنباريّ ، حدّثنا أبو عمر أحمد بن أحمد السوسنجردي العسكري ، حدثني ابن أبي الذيال المحدث بسر من رأى ـ قال : حضرت وليمة حضرها الجاحظ ، وحضرت صلاة الظهر ، فصلينا وما صلّى الجاحظ ، وحضرت صلاة العصر فصلينا وما صلى الجاحظ ، فلما عزمنا على الانصراف قال الجاحظ لرب المنزل : إني ما صليت لمذهب ـ أو لسبب ـ أخبرك به؟ فقال له ـ أو فقيل له ـ ما أظن أن لك مذهبا في الصّلاة إلا تركها.
أخبرني الصيمري ، حدثني المرزباني ، أخبرني محمّد بن يحيى ، حدثني أبو العيناء قال : كان الجاحظ يأكل مع محمّد بن عبد الملك الزيات ، فجاءوا بفالوذجة ، فتولع محمّد بالجاحظ وأمر أن يجعل من جهته مارق من الجام ، فأسرع في الأكل فتنطف ما بين يديه فقال ابن الزيات : تقشعت سماؤك قبل سماء الناس! فقال له الجاحظ : لأن غيمها كان رقيقا. وقال أخبرنا أبو العيناء قال : كنت عند ابن أبي دؤاد بعد قتل ابن الزيات ، فجيء بالجاحظ مقيدا ـ وكان في أسبابه وناحيته ـ وعند ابن أبي دؤاد محمّد ابن منصور ـ وهو إذ ذاك يلي قضاء فارس وخوزستان فقال ، ابن أبي دؤاد للجاحظ : ما تأويل هذه الآية : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود ١٠٢] فقال : تلاوتها تأويلها أعز الله القاضي ، فقال : جيئوا بحداد ، فقال : أعز الله القاضي ليفك عني أو ليزيدني؟ فقال : بل ليفك عنك فجيء بالحداد فغمزه بعض أهل المجلس أن يعنف بساق الجاحظ ويطيل أمره قليلا ، ففعل فلطمه الجاحظ فقال : اعمل عمل شهر في يوم ، وعمل يوم في ساعة ، وعمل ساعة في لحظة ، فإن الضرر على ساقي وليس بجذع ولا ساجة. فضحك ابن أبي دؤاد وأهل المجلس منه. وقال ابن أبي دؤاد لمحمّد بن منصور : أنا أثق بظرفه ولا أثق بدينه.
أخبرني محمّد بن الحسن الأهوازيّ ، حدّثنا إيزديار بن سليمان الفارسي قال : سمعت أبي يقول : سمعت أبا سعيد الجنديسابوري يقول : سمعت الجاحظ يصف اللسان قال : هو أداة يظهر بها البيان ، وشاهد يعبر عن الضمير ، وحاكم بفصل الخطاب وناطق يرد به الجواب ، وشافع تدرك به الحاجة ، وواصف تعرف به الأشياء ، وواعظ ينهى عن القبيح ، ومعز يرد الأحزان ، ومعتذر يدفع الضغينة ، ومله يونق الاسماع ، وزارع يحرث المودة ، وحاصد يستأصل العداوة ، وشاكر يستوجب المزيد ، ومادح يستحق الزلفة ، ومؤنس يهذب بالوحشة.