وأبو عبيدة ، والنضر بن شميل ، والمفضل الضّبّي ، وابن الأعرابي ، إلا أنه جمع رواياتهم في كتابه وبوبه أبوابا فأحسن تأليفه. وكتاب غريب الحديث أول من عمله أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، وقطرب ، والأخفش ، والنضر بن شميل ، ولم يأتوا بالأسانيد. وعمل أبو عدنان النّحويّ البصريّ كتابا في غريب الحديث ذكر فيه الأسانيد ، وصنفه على أبواب السنن والفقه ، إلا أنه ليس بالكبير. فجمع أبو عبيد عامة ما في كتبهم وفسره وذكر الأسانيد ، وصنف المسند على حدته ، وأحاديث كل رجل من الصحابة والتابعين على حدته وأجاد تصنيفه ، فرغب فيه أهل الحديث ، والفقه ، واللغة لاجتماع ما يحتاجون إليه فيه. وكذلك كتابه في معاني القرآن ، وذلك أن أول من صنف في ذلك من أهل اللغة أبو عبيدة معمر بن المثنّى ، ثم قطرب بن المستنير ، ثم الأخفش وصنف من الكوفيين الكسائي ، ثم الفراء. فجمع أبو عبيد من كتبهم ، وجاء فيه بالآثار وأسانيدها ، وتفاسير الصحابة ، والتابعين ، والفقهاء. وروى النصف منه ، ومات قبل أن يسمع منه باقيه وأكثره غير مروي عنه. وأما كتبه في الفقه فإنه عمد إلى مذهب مالك والشافعي فتقلد أكثر ذلك ، وأتى بشواهده ، وجمعه من حديثه ورواياته ، واحتج فيها باللغة والنحو ، فحسنها بذلك ، وله في القراءات (٤) كتاب جيد ليس لأحد من الكوفيين قبله مثله. وكتابه في الأموال من أحسن ما صنف في الفقه وأجوده.
أخبرنا القاضي أبو العلاء محمّد بن عليّ الواسطيّ قال : قال أبو الحسن محمّد بن جعفر بن هارون التّميميّ النّحويّ : كان طاهر بن الحسين ـ حين مضى إلى خراسان ـ نزل بمرو يطلب رجلا فيحدثه ليله ، فقيل ما هاهنا إلا رجل مؤدب ، فأدخل عليه أبو عبيد القاسم بن سلام ، فوجده أعلم الناس بأيام الناس ، والنحو ، واللغة ، والفقه. فقال له : من المظالم تركك أنت بهذا البلد ، فدفع إليه ألف دينار ، وقال له : أنا متوجه إلى خراسان إلى حرب ، وليس أحب استصحابك شفقا عليك ، فأنفق هذا إلى أن أعود إليك. فألف أبو عبيد غريب المصنف إلى أن عاد طاهر بن الحسين من خراسان ، فحمله معه إلى سر من رأى ، وكان أبو عبيد دينا ورعا جوادا.
وأخبرنا أبو العلاء القاضي ، أخبرنا محمّد بن جعفر التّميميّ ، حدّثنا أبو عليّ النّحويّ قال : حدّثنا الفسطاطي قال : كان أبو عبيد مع ابن طاهر ، فوجه إليه أبو دلف
__________________
(٤) في المطبوعة : «وله في القرآن».