يستهديه أبا عبيد مدة شهرين ، فأنفذ أبا عبيد إليه فأقام شهرين ، فلما أراد الانصراف وصله أبو دلف بثلاثين ألف درهم ، فلم يقبلها وقال : أنا في جنبة رجل ما يحوجني إلى صلة غيره ، ولا آخذ ما فيه على نقص ، فلما عاد إلى طاهر وصله بثلاثين ألف دينار ، بدل ما وصله أبو دلف. فقال له : أيها الأمير قد قبلتها. ولكن قد أغنيتني بمعروفك وبرك وكفايتك عنها. وقد رأيت أن أشتري بها سلاحا وخيلا ، وأتوجه بها إلى الثغر ليكون الثواب متوفرا على الأمير ففعل.
حدثني أبو القاسم الأزهري ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم ، حدّثنا عبيد الله بن عبد الرّحمن السّكّري قال : قال أحمد بن يوسف ـ إما سمعته منه ، أو حدثت به عنه ـ قال : لما عمل أبو عبيد كتاب غريب الحديث عرضه على عبد الله بن طاهر فاستحسنه. وقال إن عقلا بعث صاحبه على عمل مثل هذا الكتاب لحقيق ألا يحوج إلى طلب المعاش ، فأجرى له عشرة آلاف درهم في كل شهر. كذا قال لي الأزهري عشرة آلاف درهم في كل شهر.
وأخبرني القاضي أبو محمّد الحسن بن الحسين بن رامين الأستراباذي ، حدّثنا أبو الحسن محمّد بن هارون التّميميّ المروروذي ، حدّثنا أبي قال : سمعت الحسن بن محمّد بن موسى الهرويّ قال : سمعت حارث بن محمّد بن أبي أسامة يقول : حمل غريب حديث أبي عبيد إلى عبد الله بن طاهر ، فلما نظر فيه قال : هذا رجل عاقل دقيق النظر. فكتب إلى إسحاق بن إبراهيم بأن يجري عليه في كل شهر خمسمائة درهم ، فلما مات عبد الله أجرى عليه إسحاق بن إبراهيم من ماله ، فلما مات أبو عبيد بمكة أجرى إسحاق بن إبراهيم على ولده حتى مات.
قلت : ذكر وفاة عبد الله بن طاهر في هذا الخبر وهم ، لأن أبا عبيد مات قبل ابن طاهر بعدة سنين.
وأخبرني ابن رامين ، حدّثنا محمّد قال : حدثني أبي قال : سمعت الحسن يقول : سمعت المسعري محمّد بن وهب يقول : قال أبو عبيد : كنت في تصنيف هذا الكتاب أربعين سنة ، وربما كنت أستفيد الفائدة من أفواه الرجال ، فأضعها في موضعها من الكتاب ، فأبيت ساهرا فرحا مني بتلك الفائدة ، وأحدكم يجيئني فيقيم عندي أربعة أشهر أو خمسة أشهر فيقول قد أقمت الكثير. قال أبو عليّ : أول من سمع هذا الكتاب من أبي عبيد يحيى بن معين.