والمقصود إبطال ما اختلقوه من منع أكل البحيرة ، والسائبة ، والوصيلة ، والحامي ، وما حكي الله عنهم في سورة الأنعام من قوله : (وَقالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ) [الأنعام : ١٣٨] الآيات. قيل نزلت في ثقيف وبني عامر بن صعصعة وخزاعة وبني مدلج حرّموا على أنفسهم من الأنعام أي مما ذكر في سورة الأنعام.
ومن في قوله : (مِمَّا فِي الْأَرْضِ) للتبعيض ، فالتبعيض راجع إلى كون المأكول بعضا من كل نوع وليس راجعا إلى كون المأكول أنواعا دون أنواع ، لأنه يفوت غرض الآية ، فما في الأرض عام خصصه الوصف بقوله : (حَلالاً طَيِّباً) فخرجت المحرمات الثابت تحريمها بالكتاب أو السنة.
وقوله : (حَلالاً طَيِّباً) حالان من (ما) الموصولة ، أولهما لبيان الحكم الشرعي والثاني لبيان علته لأن الطيب من شأنه أن تقصده النفوس للانتفاع به فإذا ثبت الطيب ثبتت الحلّية لأن الله رفيق بعباده لم يمنعهم مما فيه نفعهم الخالص أو الراجح.
والمراد بالطيب هنا ما تستطيبه النفوس بالإدراك المستقيم السليم من الشذوذ وهي النفوس التي تشتهي الملائم الكامل أو الراجح بحيث لا يعود تناوله بضر جثماني أو روحاني وسيأتي معنى الطيب لغة عند قوله تعالى : (قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ) [المائدة : ٤] في سورة المائدة.
وفي هذا الوصف معنى عظيم من الإيماء إلى قاعدة الحلال والحرام فلذلك قال علماؤنا : إن حكم الأشياء التي لم ينص الشرع فيها بشيء أن أصل المضار منها التحريم وأصل المنافع الحل ، وهذا بالنظر إلى ذات الشيء بقطع النظر عن عوارضه كتعلق حق الغير به الموجب تحريمه ، إذ التحريم حينئذ حكم للعارض لا للمعروض.
وقد فسر الطيب هنا بما يبيحه الشرع وهو بعيد لأنه يفضي إلى التكرار ، ولأنه يقتضي استعمال لفظ في معنى غير متعارف عندهم.
وقوله : (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) الضمير للناس لا محالة وهم المشركون المتلبسون بالمنهي عنه دوما ، وأما المؤمنون فحظهم منه التحذير والموعظة. واتباع الخطوات تمثيلية ، أصلها أن السائر إذا رأى آثار خطوات السائرين تبع ذلك المسلك علما منه بأنه ما سار فيه السائر قبله إلّا لأنه موصل للمطلوب ، فشبه المقتدي الذي لا دليل له سوى المقتدي به وهو يظن مسلكه موصلا ، بالذي يتبع خطوات السائرين وشاعت هاته