الكلام الذي قبلها فلا شبهة في أن الواو للحال وأنه المعنى المراد وهو الغالب ، وإن كان ما بعدها من كلام آخر فهي واو العطف لا محالة عطفت ما بعدها على مضمون الكلام الأول على معنى التلقين ، وذلك كما في قوله تعالى : (قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ)(١) [الزمر : ٤٣] وكذلك الآية التي نحن بصدد تفسيرها ، فإن مجيء همزة الاستفهام دليل على أنه كلام آخر ، وكذلك بيت : «قالت بنات العم» المتقدم ، وإن كان ما بعدها من جملة الكلام الأول لكنه منظور فيه إلى جواب سؤال يخطر ببال السامع فالواو للاستئناف البياني الذي عبر عنه الرضي بالاعتراض مثل قول كعب بن زهير :
لا تأخذنّي بأقوال الوشاة ولم |
|
أذنب وإن كثرت فيّ الأقاويل |
فإن موقع الشرط فيه ليس موقع الحال بل موقع رد سؤال سائل يقول : أتنفي عن نفسك الذنب. وقد كثر القول في إثباته.
وقوله : (لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً) أي لا يدركون شيئا من المدركات ، وهذا مبالغة في إلزامهم بالخطإ في اتباع آبائهم من غير تبصر ولا تأمل ، وتقدم القول في كلمة شيء.
ومتعلق (وَلا يَهْتَدُونَ) محذوف أي إلى شيء ، وهذه الحالة ممتنعة في نفس الأمر؛ لأن لآبائهم عقولا تدرك الأشياء ، وفيهم بعض الاهتداء مثل اهتدائهم إلى إثبات وجود الله تعالى وإلى بعض ما عليه أمورهم من الخير كإغاثة الملهوف وقرى الضيف وحفظ العهد ونحو ذلك ، ولهذا صح وقوع (لو) الشرطية هنا. وقد أشبعت الكلام على (لو) هذه ؛ لأن الكلام عليها لا يوجد مفصلا في كتب النحو ، وقد أجحف فيه صاحب «المغني».
وليس لهذه الآية تعلق بأحكام الاجتهاد والتقليد ؛ لأنها ذم للذين أبوا أن يتبعوا ما أنزل الله ، فأما التقليد فهو تقليد للمتبعين ما أنزل الله (٢).
(وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِما لا يَسْمَعُ إِلاَّ دُعاءً وَنِداءً صُمٌّ بُكْمٌ
__________________
(١) في المطبوعة (قل أو لو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) ولم أجدها في «معجم عبد الباقي» مادة يعقلون ويهتدون.
(٢) قال الألوسي : «في الآية دليل على المنع من التقليد لمن قدر على النظر ، وأما اتباع الغير في الدين بعد العلم بدليل ما إنه ملحق فاتباع في الحقيقة لما أنزل الله تعالى ، وليس من التقليد المذموم في شيء ، وقد قال سبحانه : فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* [النحل : ٤٣] «روح المعاني» (٢ / ٤٠ ، ٤١) ، ط المنيرية.